و « يَوْمئذٍ » ظرف للويل.
وجوز أبو البقاء : أن يكون صفة للويلِ، وللمكذبين خبره.
فصل في تفسير الآية
قال القرطبي :﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ أي : عذاب وخِزْي لمن كذب بالله تعالى وبرسله، وعلى تقدير تكذيبهم؛ فإنَّ لكل مكذب بشيء سوى تكذيبه بشيء آخر، وربّ شيء كذب به وهو أعظم جرماً من تكذيبه بغيره؛ لأنه أقبح في تكذيبه، وأعظم في الرد على الله تعالى، فإنما يقسم له من الويل على قدر ذلك، وهو قوله :﴿ جَزَآءً وِفَاقاً ﴾ [ النبأ : ٢٦ ].
وقيل : كرره لمعنى تكرار التخويف والوعيد.
وروي عن النعمان بن بشير قال :« ويْلٌ » واد في جهنم فيه ألوان العذاب، قاله ابن عباس وغيره.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال :« عُرِضتْ عليَّ جَهنَّمُ فَلمْ أرَ فيهَا وَادِياً أعْظمَ منَ الوَيْلِ ».
وروي أيضاً أنه مجمع ما يسيل من قيحِ أهل النار وصديدهم، وإنما يسيل الشيء فيما سفل من الأرض، وقد علم العباد في الدنيا أن شرّ المواضع في الدنيا ما استنقع فيها مياه الأدناس والأقذار والغسلات من الجيف وماء الحمَّامات، فذكر أن ذلك الوادي مستنقع صديد أهل النَّار والشرك ليعلم العاقل أنه لا شيء أقذرُ منه قذارةً، ولا أنتنُ منه نتناً.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين ﴾. العامة : على ضم حرف المضارعة، من « أهْلَكَ » رباعيًّا، وقتادة : بفتحه.
قال الزمخشري : من هلكه بمعنى « أهلكه »؛ قال العجاج :[ الرجز ]
٥٠٥٦- ومَهْمَهٍ هَالكُ مَنْ تَعرَّجَا... ف « من » معمول الهالك، وهو من « هلك »، إلاَّ أن بعض النَّاس جعل هذا دليلاً على إعمال الصِّفة المشبهة في الموصول، وجعلها من اللازم؛ لأن شرط الصفة المشبهة أن تكون من فعل لازم، فعلى هذا دليل فيه.
قوله :﴿ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين ﴾.
العامة : على رفع العين استئنافاً أي : ثم نحن نتبعهم، كذا قدره أبو البقاء.
وقال :« وليس بمعطوف، لأن العطف يوجب أن يكون المعنى : أهلكنا الأولين، ثمَّ أتبعناهم الآخرين في الهلاك، وليس كذلك؛ لأن هلاك الآخرين لم يقع بعد ».
قال شهاب الدين : ولا حاجة في وجه الاستئناف إلى تقدير مبتدأ قبل الفعل، بل يجعل الفعل معطوفاً على مجموع الجملة من قوله :« ألَمْ نُهْلكِ »، ويدل على هذا الاستئناف قراءة عبد الله :« ثم سَنُتْبِعهُم الآخرين » بسين التنفيس، وقرأ الأعرج والعباس عن أبي عمرو : بتسكينها، وفيها وجهان :
أحدهما : أنه تسكين للمرفوع، فهو مستأنف كالمرفوع لفظاً.
والثاني : أنه معطوف على مجزوم، والمعني بالآخرين حينئذ قوم شعيب ولوط وموسى، وبالأولين قوم نوح وعاد وثمود.
قال ابن الخطيب : وهذا القول ضعيف؛ لأن قوله تعالى :﴿ نُتْبِعُهُمُ ﴾ مضارع، وهو للحال والاستقبال، ولا يتناول الماضي، وإنما المراد بالأولين : جميع الكفار الذين كانوا في عهد محمد ﷺ، وقوله :﴿ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين ﴾ على الاستئناف، أي : سنفعل ذلك، ونتبع الأول الآخر، ويدل على الاستئناف قراءة عبد الله في نتبعهم تدل على الاشتراك، وحينئذ يكون المراد به الماضي لا المستقبل.