قلنا : لو كان المراد هو الماضي لوقع التنافي بين القراءتين، وهو غير جائز، فعلمنا أن تسكين العين ليس للجزم، بل للتخفيف.
قوله :﴿ كَذَلِكَ نَفْعَلُ ﴾ أي : مثل ذلك الفعل الشَّنيع نفعل بكل من أجرم.

فصل في المراد بالآية


المقصوُد من هذه الآية تخويف الكفار وتحذيرهم من الكفر، أخبر عن إهلاك الكفار من الأمم الماضين من لدُن آدم -E - إلى محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - ﴿ ثُمَّ نُتْبِعهُمُ الآخرين ﴾ أي : نُلحق الآخرين بالأولين، ﴿ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين ﴾ أي : مثل ما فعلنا بمن تقدم بمشركي قريش إما بالسيف وإما بالهلاك، ثم قال تعالى :﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ كأنه تعالى يقول : أما الدنيا : فحاصلهم الهلاك، وأما الآخرة فالعذاب الشديد، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ خَسِرَ الدنيا والأخرة ذلك هُوَ الخسران المبين ﴾ [ الحج : ١١ ] فإن قيل : المراد من قوله :﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين ﴾ وهو مطلق الإماتة، والإماتة بالعذاب فإن كان مطلق الإماتة لم يكن ذلك تخويفاً للكفار؛ لأن ذلك معلوم حاصل للمؤمن والكافر، فلا يكون تخويفاً للكفار، وإن كانت الإماتة بالعذاب فقوله تعالى :﴿ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين ﴾ ﴿ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين ﴾ يقتضي أن يكون فعل بكفَّار قريش مثل هذا، ومعلوم أن ذلك لم يوجد، وأيضاً فقد قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ].
فالجواب : قال ابن الخطيب : لم لا يجوز أن يكون المراد من الإهلاك معنى ثالث، وهو الإماتة للذمِّ واللَّعن، فكأنه قيل : أولئك المتقدمون لحرصهم على الدنيا عادوا الأنبياء وخاصموهم، ثم ماتوا ففاتتهم الدنيا، وبقي اللَّعْن عليهم في الدنيا والعقوبة في الاخرة دائماً سرمداً، فهكذا يكون حال الكفار الموجودين، وهذا من أعظم وجوه الزجر.


الصفحة التالية
Icon