قوله تعالى :﴿ انطلقوا ﴾. أي : يقال لهم ذلك.
والعامة : على « انطلقوا » الثاني كالأول بصيغة الأمر على التأكيد وروى رويس عن يعقوب :« انْطَلَقُو » - بفتح اللام - فعلاً ماضياً على الخبر، أي : لمَّا أمروا امتثلوا ذلك وهذا موضع الفاء، فكان ينبغي أن يكون التركيب فانطلقوا، نحو قولك : قلت له : اذهب فذهب، وعدم الفاء هنا ليس بواضح.
فصل في كيفية عذاب الكفار في الآخرة
هذا هو النَّوع الخامس من تخويف الكُفَّار، وهو بيان كيفية عذابهم في الآخرة والمعنى : يقال لهم : انطلقوا إلى ما كذبتم به من العذاب، يعني النار، فقد شاهدتموها عياناً.
﴿ انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ ﴾ أي : دخان ذي ثلاث شعب، يعني الدخان الذي يرتفع، ثم يتشعب إلى ثلاث شعب، وكذلك بيان دخان جهنم العظيم إذا ارتفع تشعب.
قال أبو مسلم : ويحتمل في ثلاث شعبٍ ما ذكره بعد ذلك، وهو أنه غير ظليل، وأنه لا يغنى من اللهب، وبأنه يرمي بشرر، ثم وصف الظليل، فقال :
﴿ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهب ﴾ أي : لا يدفع من لهب جهنم شيئاً، أي : ليس كالظلِّ الذي يقي حر الشمس، وهذا تهكّم بهم، وتعريض بأن ظلَّهم غير ظلَّ المؤمنين، وأنه لا يمنع حرَّ الشمس.
واللهب ما يعلو على النار إذا اضطرمت من أحمر، وأصفر، وأخضر.
وقيل : إن الشعب الثلاث من الضَّريع، والزَّقُّوم، والغسلين؛ قاله الضحاك.
وقيل : اللهب ثم الشرر ثُمَّ الدخان، لأنها ثلاثة أحوال هي غاية أوصاف النار إذا اضطرمت واشتدت.
وقيل : عنق يخرج من النار فيتشعب ثلاث شعب، فأما النور فيقف على رءوس المؤمنين، وأما الدخان فيقف على رءوس المنافقين، وأما اللهب الصافي فيقف على رءوس الكفار.
وقيل : هو السرادق، وهو لسان من النَّار يحيط بهم يتشعب منه ثلاث شعب، فيظلهم حتى يفرغ من حسابهم، لقوله تعالى :﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ [ الكهف : ٢٩ ].
وتَسْمِيَةُ النَّار بالظِّل مجاز من حيث إنها محيطةٌ بهم من كل جانب، لقوله تعالى :﴿ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾ [ الزمر : ١٦ ]، وقال تعالى :﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ٥٥ ]
وقيل : هو الظل من يحموم لقوله تعالى :﴿ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ ﴾ [ الواقعة : ٤٣، ٤٤ ].
وفي الحديث :« إنَّ الشَّمسَ تَدنُو مِنْ رُءوسِ الخَلائقِ، وليْسَ عَلَيْهِم ولا لَهُمْ أكْفانٌ، فتَلْحَقُهمُ الشَّمْسُ وتَأخذُ بأنْفَاسِهمْ، ثُمَّ يُنَجِّي اللهُ بِرحْمَتهِ مَنْ يَشَاءُ إلى ظلِّ من ظلِّه، فهُناكَ يقُولُونَ :﴿ فَمَنَّ الله عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السموم ﴾ [ الطور : ٢٧ ] ويقال للمذكبين : انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الله وعقابه ».
قوله :﴿ لاَّ ظَلِيلٍ ﴾ صفة ل « ظلّ »، و « لا » متوسّطة بين الصفة والموصوف لإفادة النَّفي، وجيء بالصِّفة الأولى اسماً، وبالثانية فعلاً دلالة على نفي ثبوت هذه الصِّفةِ واستقرارها للظل، ونفي التجدد والحدوث للإغناء عن اللَّهب، يقال : أغني عني وجهك، أي أبعد؛ لأن الغنيَّ عن الشيء يباعده كما أن المحتاج إليه يقاربه.