يريد : نمور، فقصر، وكقوله :﴿ والنجم ﴾ [ النجم : ١ ] يريد : النجوم.
وتخريج الزمخشري أولى، لأن محل الثاني إما الضرورة، وإما الندور.
قوله :« جِمَالات » قرأ الأخوان وحفص :« جِمَالَة »، والباقون :« جِمَالاَت ».
ف « الجِمَالة » نحو « ذكر، وذِكارة، وحجر، وحِجَارة ».
والثاني : أنه جمع ك « الذِّكَارة، والحِجَارة ». قاله أبو البقاء.
والأول : قول النحاة.
وأما « جمالات »، فيجوز أن يكون جمعاً ل « جمالة »، وأن يكون جمعاً ل « جمال »، فيكون جمع الجمع، ويجوز أن يكون جمعاً ل « جميل » المفرد كقولهم :« رجالات قريش » كذا قالوه. وفيه نظر؛ لأنهم نصُّوا على أن الأسماء الجامدة، وغير العاقلة لا تجمع بالألف والتاء، إلا إذا لم تكسر، فإن تكسرت لم تجمع، وقالوا : ولذلك لحن المتنبي في قوله :[ الطويل ]

٥٠٦١- إذَا كَانَ بَعْضُ النَّاس سَيْفاً لِدوْلَةٍ فَفِي النَِّاس بُوقاتٌ لَهُمْ وطُبُولُ
فجمع « بوقاً » على « بوقات » مع قولهم :« أبواق »، فكذلك « جمالات » مع قولهم :« جمل، وجمال » على أن بعضهم لا يجيز ذلك، ويجعل نحو « حمامات، وسجلات » شاذًّا، وإن لم يكسر.
وقرأ ابن عباس والحسن وابن جبير وقتادة وأبو رجاء، بخلاف عنهم كذلك، إلا أنهم ضموا الجيم، وهي حبال السفن.
وقيل : قلوص الجسور، الواحد منها جملة، لاشتمالها على طاقات الحبال، وفيها وجهان :
أحدهما : أن يكون « جُمالات » - بالضم - جمع جمال، ف « جمال » جمع « جملة »، كذا قال أبو حيَّان، ويحتاج في إثبات أن « جُمَالات » جمع « جملة » بالضم إلى نقل.
والثاني : أن « جمالات » جمع « جمالة ». قاله الزمخشري. وهو ظاهر.
وقرأ ابن عبَّاس والسلمي وأبو حيوة :« جُمَالة » بضم الجيم لما قاله الزمخشري آنفاً.
وروي عن علي - رضي الله عنه - أنها قطع النُّحاس.
قوله :﴿ صُفْرٌ ﴾. صفة ل « جمالات » أو ل « جمالة » لأنه إما جمع أو اسم جمع.
والعامة : على سكون الفاء جمع، والحسن بضمها، كأنه إتباع، ووقع التشبيه بها في غاية الفصاحة.
قال الزمخشري : وقيل :« صُفْر » سود تضرب إلى الصفرة، وفي شعر عمران بن حطَّان الخارجيِّ :[ الطويل ]
٥٠٦٢- دَعتْهُمْ بأعْلَى صَوْتهَا ورَمتهُمُ بِمِثْلِ الجمالِ الصُّفْرِ نزَّاعةُ الشَّوَى
وقال أبو العلاءِ :[ الكامل ]
٥٠٦٣- حَمْرَاءُ سَاطِعَةُ الذَّوائِبِ في الدُّجَى تَرْمِي بكُلِّ شَرارةٍ كطِرَافِ
فشبهها بالطِّراف، وهو بيت الأدم في العظمِ والحمرة، وكأنه قصد بخبثه أن يزيد على تشبيه القرآن، ولتبجحه بما سوّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته قوله : حمراء، توطئة لها ومناداة عليها تنبيهاً للسَّامعين على مكانها، ولقد عمي، جمع الله له عمى الدارين عن قوله تعالى :﴿ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ﴾ فإنه بمنزلة قوله : كبيت أحمر وعلى أن في التشبيه بالقصر، وهو الحصن تشبيهاً من جهتين : من جهة العظم، ومن جهة الطّول في الهواء.


الصفحة التالية
Icon