قوله :﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً ﴾. أي : أصنافاً، ذكراً وأنثى.
وقيل : ألواناً.
وقيل : يدخل كل زوجٍ بهيج، وقبيح، وحسن، وطويل وقصير، لتختلف الأحوال، فيقع الاعتبار.
قوله :﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ﴾ الظاهر أنَّه مفعول ثانٍ، ومعناه : راحةً لأبدانكم، ومنه السبتُ أي : يوم الراحة، أي : قيل لبني إسرائيل : استريحوا في هذا اليوم، ولا تعملوا فيه شيئاً.
وأنكر ابن الأنباري هذا، وقال : لا يقال للراحة : سباتاً.
وقيل : أصله التمدُّد، يقال : سبتت المرأة شعرها : إذا حلَّته وأرسلته، فالسُّبات كالمد، ورجل مسبوتُ الخلق، أي ممدود، وإذا أراد الرجل أن يستريح تمدد، فسميت الراحة سبتاً.
ةقيل : أصله القطع، يقال : سبت شعره سبتاً، أي : حلقه، وكأنه إذا نام انقطع عن الناس، وعن الاشتغالِ، فالسُّبات يشبه الموت، إلا أنه لم تفارقه الروح، ويقال : سيرٌ سبتٌ، أي سهلٌ ليِّن.
قوله :﴿ وَجَعَلْنَا الليل لِبَاساً ﴾. فيه استعارة حسنة؛ وعليه قول المتنبي :[ الطويل ]
٥٠٦٩- وكَمْ لِظَلامِ اللَّيْلِ عِندكَ من يَدٍ | تُخَبِّرُ أنَّ المانَويَّة تَكذِبُ |
وقال ابن جبير والسدي : أي : أسْكنَّاكُمْ.
قوله :﴿ وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً ﴾. فيه إضمار، أي : وقت معاش، فيكون مفعولاً، وظرفاً للتبعيض، أي : منصرفاً لطلب المعاش، وهو كل ما يعاش به من المطعمِ، والمشربِ مصدراً بمعنى العيش على تقدير حذف مضاف، يقال : عاش عيشاً ومعاشاً ومعيشةً، ومعنى كون النهار معيشة أن الخلق إنما يمكنهم التقلب في حوائجهم ومكاسبهم في النهار.
قوله تعالى :﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ﴾. أي : سبع سماوات محكمات، أي : محكمة الخلق وثيقة البنيان.
وشداداً : جمع شديدة، أي : قوية لا يؤثِّر فيها مرور الأزمان لا فطور فيها ولا فروج، ونظيره قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً ﴾ [ الأنبياء : ٣٢ ].
قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً ﴾. أي : وقَّاداً، وهو الشمس، و « جَعَلَ » هنا بمعنى « خلق »؛ لأنها تعدت لمفعول واحد، والوهَّاج : المُضيء المتلألئ، من قولهم : وهج الجوهر أي : تلألأ.
وقيل : الوهَّاج : الذي له وهج، يقال : وَهَجَ يَوْهَجُ، ك « وَحَلَ يَوحَلُ »، « ووهَجَ يَهِجُ » ك « وَعَدَ يَعِدُ » وهجاً.
قال ابن عباس : وهَّاجاً : منيراً أي : مُتلألِئاً.
قوله :﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات ﴾. يجوز في « من » أن تكون على بابها من ابتداءِ الغاية، وأن تكون للسببية، وتدل على قراءة عبد الله بن زيد وعكرمة وقتادة :« بالمعصرات » بالباء بدل « من »، وهذا على الخلاف في « المعصرات » ما المراد بها، فعن ابن عباس : أنها السَّحاب، وهو قول سفيان والربيع وأبي العالية والضحاك، أي : السحاب التي تنعصر بالماء، ولم تمطر بعد كالمرأة المُعْصِر التي قد دَنَا حيْضُهَا ولمْ تَحِضْ، يقال : أعْصرتِ السَّحابُ، أي : جاء وقت أن يعصرها الرياح فتمطر، كقولك : أجز الزرع، إذا جاز له أن يجز؛ وأنشد ابن قتيبة أبي النَّجْم :[ الرجز ]