٥٠٧٠- تَمْشِي الهُوَيْنَى مَائِلاً خِمارُهَا قَدْ أعْصَرتْ وقَدْ دَنَا إعْصَارُهَا
ولولا تأويل « أعْصرَتْ » بذلك لكان ينبغي أن تكون « المُعصَرات » - بفتح الصَّاد- اسم مفعول؛ لأن الرياح تعصرها.
وقال الزمخشري : وقرأ عكرمة :« بالمعصرات ».
وفيه وجهان :
أحدهما : أن تراد الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب، وأن تراد السحائب؛ لأنه إذا كان الإنزال منها، فهو بها كما تقول : أعطى من يده درهماً، وأعطى بيده.
وعن ابن عباس ومجاهد :« المعصرات » الرياح ذوات الأعاصيرِ كأنها تعصر السحاب.
وعن الحسن وقتادة : هي السماوات وتأويله : أن الماء ينزل من السماء إلى السَّحاب، وكأنَّ السماوات يعصرن، أي : يحملن على العصر، ويمكن منه.
فإن قلت : فما وجه من قرأ « من المعصراتِ » وفسرها بالرياح ذوات الأعاصير، والمطرُ لا ينزل الرياح؟.
قلت : الرياح هي التي تُنشِئُ السَّحاب، وتدرُّ أخلافه، فصحَّ أن تجعل مبدأ للإنزال، وقد جاء : إنَّ الله تبارك وتعالى يَبعثُ الرِّياح فَتَحْمِلُ المَاءَ من السَّماءِ إلى السَّحابِ.
فإن صحَّ ذلك فالإنزال منها ظاهر.
فإن قلت : ذكر ابن كيسان أنه جعل « المعصرات » بمعنى المُغيثَات، والعاصر المغيث لا المعصر، يقال : عصره فاعتصر.
قلت : وجهه أن يريد اللاتي أعصرت، أي : حان لها أن تعصر، أي : تغيث.
يعني أن « عصر » بمعنى الإغاثة : ثلاثي، فكيف قال هنا :« معصرات » بهذا المعنى وهو من الرباعي؟.
فأجابه عنه بما تقدم : يعني : أن الهمزة بمعنى الدخول في الشيء.
قال القرطبي :« ويجوز أن تكون الأقوال واحدة، ويكون المعنى : وأنزلنا من ذوات الرياح المعصرات ﴿ مَآءً ثَجَّاجاً ﴾، وأصح الأقوال أن المعصرات : السحاب، كذا المعروف أن الغيث منها، ولو كان » بالمعصرات « لكان الريح أولى ».
وفي « الصِّحاح » : والمعصرات : السحائب تعصر بالمطر، وأعصر القوم أي : مطروا، ومنه قراءة بعضهم :﴿ وفيه تُعْصَرُون ﴾ [ يوسف : ٤٩ ]، والمعصر : الجارية التي قربتْ سنَّ البلوغ، والمعصر : السحابة التي حان لها أن تمطر، فقد أعصرت، ومنه « العَصَرُ » - بالتحريك - للملجأ الذي يلجأ إليه، والعصرُ - بالضم - أيضاً : الملجأ، وأنشد أبو زيد :[ الخفيف ]
٥٠٧١- صَادِياً يَسْتَغيثُ غَيْرَ مُغاثٍ ولقَدْ كَانَ عُصْرَةَ المَنْجُودِ
قوله :﴿ مَآءً ثَجَّاجاً ﴾ : الثَّجُّ : الانصبابُ بكثرةٍ وبشدةٍ.
وفي الحديث :« أحَبُّ العملِ إلى اللهِ العَجُّ والثَّجُّ ».


الصفحة التالية
Icon