قال القاضي : هذا الفتح هو معنى قوله :﴿ إِذَا السمآء انشقت ﴾ [ الانشقاق : ١ ]، ﴿ إِذَا السمآء انفطرت ﴾ [ الانفطار : ١ ] إذ الفتح والتشقق تتقارب.
قال ابنُ الخطيب : وهذا ليس بقوي؛ لأن المفهوم من فتح الباب غير المفهوم من التَّشقُّق والتفطُّر، فربما تفتح تلك الأبواب مع أنه لا يحصل في جرم السماء تشقق ولا تفطر، بل الدلائل الصحيحة دلت على أن حصول فتح هذه الأبواب بحصول التفطُّر والتشقُّق بالكلِّية.
فإن قيل : قوله تعالى :﴿ وَفُتِحَتِ السمآء فَكَانَتْ أَبْوَاباً ﴾ يفيد أنَّ السَّماء بكليتها تصير أبواباً بفعل ذلك.
فالجواب من وجوه :
أحدها : أنَّ تلك الأبواب لمَّا كثرت جدًّا صارت كأنَّها ليست إلا أبواباً؛ كقوله تعالى :﴿ وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً ﴾ [ القمر : ١٢ ] أي : صارت كلها عيوناً تتفجَّر.
وثانيها : قال الواحديُّ : هذا من باب حذف المضاف، أي : فكانت ذات أبواب.
وثالثها : أنَّ الضمير في قوله تعالى :﴿ فَكَانَتْ أَبْوَاباً ﴾ يعود إلى السماء، والتقدير : فكانت تلك المواضع المفتوحة أبواباً لنزول الملائكة.
قوله تعالى :﴿ وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً ﴾.
أي : لا شيء كما أن السراب كذلك يظنه الرائي ماء وليس بماء.
وقيل : نُسفَتْ من أصُولِهَا.
وقيل : أزيلتْ عن مواضعها.
قال ابن الخطيب : إن الله - تعالى - ذكر أحوال الجبال بوجوهٍ مختلفةٍ، ويمكن الجمع بينها بوجوه، بأن تقول :
أول أحوالها : الاندِكَاكُ، وهو قول تعالى :﴿ وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴾ [ الحاقة : ١٤ ].
والحالة الثانية : أن تصير كالعهنِ المنفوش، وهو قوله تعالى :﴿ وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش ﴾ [ القارعة : ٥ ].
والحالة الثالثة : أن تصير كالهباء، وهو قوله تعالى :﴿ وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً ﴾ [ الواقعة : ٥، ٦ ].
والحالة الرابعة : أن تنسف؛ لأنها مع الأحوال المتقدمة تارة في مواضعها في الأرض، فترسل الرياح، فتنسفها عن وجه الأرض، فتطيِّرها في الهواء كأنها مارة، فمن نظر إليها يحسبها لتكاثفها أجساداً جامدة، وهي في الحقيقة مارة، إلا أن مرورها بسبب مرور الرياح بها مندكة منتسفة.
والحالة الخامسة : أن تصير سراباً، أي : لأي شيء كما رؤي السراب من بعد.