وقول العرب : منع البرد، قيل : وسمي بذلك لأنه يقطع سورة العطش، والذوق على هذين القولين مجاز، أعني : كونه روحاً ينفس عنهم الحر، وكونه النوم مجاز، وأمَّا على قوله من جعله اسماً للشراب الباردِ المستلذّ كما تقدَّم عن ابن عباس رضي الله عنهما وأنشد قول حسان رضي الله عنه :[ الكامل ]

٥٠٧٧- يَسْقُون مَنْ ورَدَ البَريصَ عَليْهِمُ بَرَدى تُصفِّقُ بالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
قال ابنُ الأثيرِ : البريص : الماء القليل، والبرصُ : الشيء القليل؛ وقال الآخر :[ الطويل ]
٥٠٧٨- أمَانيَّ مِنْ سُعْدى حِسانٌ كأنَّما سَقتْكَ بِهَا سُعْدَى عَلى ظَمَإٍ بَرْدَا
والذوق حقيقة، إلا أنه يصير فيه تكرار بقوله بعد ذلك « ولا شراباً ».
الثالث : أنَّه بدلٌ من قوله :« وَلا شَراباً » وهو الأحسنُ؛ لأن الكلام غير موجب.
قال أبو عبيدة : الحَمِيمُ : الماءُ الحارّ.
وقال ابن زيد : دموع أعينهم تجمع في حياض، ثم يسقونه.
وقال النحاس : أصل الحميمِ الماءُ الحار، ومنه اشتقَّ الحمَّام، ومنه الحُمَّى ومنه ظل من يحموم، إنَّما يراد به النهاية في الحر، والغسَّاق : صديد أهل النار وقيحهم.
وقيل : الزَّمهرير، وتقدم خلاف القرَّاء في « غسَّاقاً » والكلام عليه وعلى « حَمِيم ».
قال أبو معاذ : كنت أسمع مشايخنا يقولون : الغسَّاقُ : فارسية معربةٌ، يقولون للشيء الذي يتقذرونه : خاشاك.
قوله :﴿ جَزَآءً ﴾ منصوبٌ على المصدر، وعامله إما قوله :« لا يذوقون » إلى آخره؛ لأنه من قوة جوزوا بذلك، وإمَّا محذوف، و « وَفَاقاً » نعت له على المبالغةِ، أو على حذف مضاف، أي : ذا مبالغة.
قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : معناه : موافقاً لأعمالهم، فالوفاقُ بمعنى :« الموافقة » كالقتال من المقاتلة.
قال الفراء والأخفش : أي : جازيناهم جزاء وافق أعمالهم.
وقال الفراء أيضاً : هو جمع الوفقِ واللَّفقِ واحد.
وقال مقاتل : وافق العذاب الذنب، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار.
وقال الحسن وعكرمة : كانت أعمالهم سيئة فأتاهم الله بما يسوؤهم.
وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة : بتشديد الفاء من « وفقه كذا ».
قوله تعالى :﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً ﴾. أي : لا يخافون حساباً، أي : محاسبة على أعمالهم، وقيل : لا يرجون ثواب حساب.
وقال الزجاج : إنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث، فيرجون حسابهم، فهو إشارة إلى أنَّهم لم يكونوا مؤمنين.
قوله تعالى :﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ﴾ قرأ العامة :« كِذَّاباً » بتشديد الذال، وكسر الكاف.
وكان من حق مصدر « فعَّل » أن يأتي على « التَّفعيل » نحو صرَّف تصريفاً.
قال الزمخشري : و « فعَّال » في باب « فعَّل » كله فاشٍ في كلام فصحاءٍ من العرب لا يقولون غيره، وسمعني بعضهم أفسر آية، فقال : لقد فسرتها فسَّاراً ما سمع بمثله.


الصفحة التالية
Icon