قوله تعالى :﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ﴾. تقدم تفسير المتقين، و « المفازُ » : يحتمل أن يكون مصدراً، بمعنى : فَوْزاً وظفراً بالنعمة، ويحتمل أن يكون المراد فوزاً بالنجاة من العذاب، ولذلك قيل للفلاة إذا قل ماؤها : مفازة، تفاؤلاً بالخلاص منها، وأن يكون مجموع الأمرين.
وقال الضحاك : منتزهاً.
قوله :﴿ حَدَآئِقَ ﴾ يجوز أن يكون بدلاً من « مفازاً » بدل اشتمالٍ أو بدل كُلٍّ من كل مبالغةً في أن جعل نفس هذه الأشياء مفازاً.
ويجوز أن يكون منصوباً بإضمارِ « أعْنِي »، وإذا كان مفازاً بمعنى الفوز، فيُقدَّر مضاف، أي فوز حدائق، وهي جمع حديقة، وهي البستان المحوط عليه، ويقال : أحْدقَ بِهِ أي أحَاطَ.
والأعْنَابُ : جمعُ عنب، أي : كروم أعناب، فحذف، والتنكير في قوله تعالى :﴿ وَأَعْنَاباً ﴾ يدل على تعظيم تلك الأعناب.
قوله تعالى :﴿ وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً ﴾. الكواعب : جمع كاعب، وهي من كعب ثديها وتفلك، أي يكون الثدي في النتوء كالكعب والفلكة، وهي النَّاهد، يقال : كَعَبَتِ الجارية تكعب كُعوباً، وكعَّبَتْ تَكْعِيباً، ونهَدتْ تَنْهَدُ نُهُوداً؛ قال :[ الطويل ]
٥٠٨١- وكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أتَّقِي... ثلاثُ شُخوصٍ : كاعِبانِ ومُعْصِرُ
وقال قيس بن عاصم المسعريُّ :[ الطويل ]

٥٠٨٢- وَكَمْ مِنْ حَصَانٍ قَدْ حَوَيْنَا كَرِيمَةٍ وَمِنْ كَاعِبٍ لَمْ تَدْرِ مَا البُؤْسُ مُعْصِرِ
وقال الضحاك : الكواعب : العَذَارى، والأتراب الأقران في السن، وقد تقدم ذكرهن في « الواقعة ».
قوله تعالى :﴿ وَكَأْساً دِهَاقاً ﴾.
الدِّهَاقُ : الملأى المُترعَةُ.
قيل : هو مأخوذ من دهقهُ، أي : ضغطه، وشده بيده، كأنه ملأ اليد فانضغط، قال :[ الوافر ]
٥٠٨٣- لأنْتِ إلى الفُؤادِ أحَبُّ قُرْباً مِنَ الصَّادي إلى كَأسِ الدِّهاقِ
وهذا قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، وأبي عبيدة، والزجاج، والكسائي.
وقال عكرمة : ورُبَّما سمعت ابن عبًّاسٍ يقول : اسقنا وادهق لنا، ودعا ابن عباس غلاماً له فقال له : اسقنا دهاقاً، فجاء الغلام بها ملأى، فقال ابن عباس : هذا الدِّهاق.
وقيل : الدِّهاق : المتتابعة؛ قال رحمه الله :[ الوافر ]
٥٠٨٤- أتَانَا عَامِرٌ يَبْغِي قِرَانَا فأتْرعْنَا لَهُ كَأساً دِهاقَا
وهذا قول أبي هريرة، وسعيد بن جبير، ومجاهد.
قال الواحدي : وأصل هذا القول من قول العرب : أدهقت الحجارة إدهاقاً، وهي شدة ترادفها، ودخول بعضها في بعض. ذكره الليث.
والتَّتابعُ كالتَّداخُل.
وعن عكرمة وزيد بن أسلمَ : أنَّها الصَّافيةُ، وهو جمع « دهق »، وهو خشبتان يعصر بهما.
والمراد بالكأسِ : الخَمْرُ.
قال الضحاك : كل كأس في القرآن فهو خمر، والتقدير : وخمر ذات دهاق، أي عصرت وصفيت بالدهاق، قاله القشيري.
وفي « الصحاح » وأدْهَقْتُ الماءَ، أي : أفرغتُه إفراغاً شديداً، قال أبو عمرو : والدَّهْقُ - بالتحريك - ضرب من العذاب، وهو بالفارسية :« أشكَنْجَه ».
قال المبرد : والمَدهوقُ : المُعذَّبُ بجميع العذاب الذي لا فرجة فيه.
وقال ابن الأعرابي : دهقت الشيء : أي : كسرته وقطعته، وكذلك :« دَهْدَقْتُهُ » و « دَهْمَقْتُهُ » بزيادة الميم المثلثة.


الصفحة التالية
Icon