وقال الأصمعي :« الدَّهْمَقَة » : لين الطعام وطيبه ورقته، وكذلك كل شيء لين، ومنه حديث عمر - رضي الله عنه - : لو شئت أن يدهمق لي لفعلت، ولكن الله عاب قوماً فقال تعالى :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا واستمتعتم بِهَا ﴾ [ الأحقاف : ٢٠ ].
قوله تعالى :﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً ﴾ أي : في الجنة، وقيل : في الكأس. ﴿ لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً ﴾.
اللَّغو : الباطلُ، وهو ما يلغى من الكلام ويطرح، ومنه الحديث :« إذا قُلتَ لِصاحبِكَ : أنْصِتْ، فَقَدْ لغَوْتَ » وذلك أنَّ أهل الجنة إذا شربوا لم تتغير عقولهم، ولم يتكلموا بلغو بخلاف الدنيا، و « لا كِذَّاباً » أي : لا يتكاذبُون في الجنَّةِ.
وقيل : هما مصدران للتكذيب، وإنَّما خففها؛ لأنَّها ليست مقيَّدة بفعل يصير مصدراً له، وشدَّد قوله :﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾ ؛ لأنَّ « كذَّبُوا » يفيد المصدر بالكذاب.
قال شهابُ الدين :« وإنَّما وافقَ الكسائيُّ الجماعة في الأول للتصريح بفعله المشدد المقتضي لعدم التخفيف في » كذَّبوا «، وهذا كما تقدم في قوله :﴿ فَتُفَجِّرَ الأنهار ﴾ [ الإسراء : ٩١ ]، حيثُ لم يختلف فيه للتصريح معه بفعله بخلاف الأول ».
وفقال مكيٌّ : مَنْ شدد جعله مصدر « كَذَّب »، زيدت فيه الألف، كما زيدت في « إكْرَاماً » وقولهم : تَكْذِيباً، جعلوا التاء عوضاً من تشديد العين، والياء بدلاً منَ الألف غيَّروا أوَّله كما غيَّروا آخره، وأصل مصدر الرباعي أن يأتي على عدد حروف الماضي بزيادة ألف مع تغيير الحركات، وقالوا :« تَكَلُّماً »، فأتي المصدر على عدد حروف الماضي بغير زيادة ألف، وذلك لكثرة حروفه، وضمت « اللام » ولم تكسر؛ لأنَّه ليس في الكلام اسم على « تفعَّل » ولم تفتح لئلا تشتبه بالماضي، وقراءة الكسائي :« كِذَّاباً » - بالتخفيف - جعله مصدر كذب كذاباً.
وقيل : هو مصدر « كذب » كقولك : كتبتُ كِتَاباً.
قوله :﴿ جَزَآءً ﴾. مصدر مؤكد منصوب بمعنى قوله :﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ﴾ كأنَّه قيل : جازى المتقين بمفاز.
قوله :﴿ عَطَآءً ﴾ بدلٌ من « جَزاءً » وهو اسم مصدر؛ قال :[ الوافر ]
٥٠٨٥-........................... | وبَعُدَ عَطائِكَ المِائةَ الرِّتاعَا |
ورده أبو حيان بأنه جعل « جزاء » مصدراً مؤكداً لمضمون الجملة، التي هي « إنَّ للمُتَّقِينَ »، قال :« والمصدر المؤكد لا يعمل؛ لأنه لا ينحلُّ لحرف مصدري والفعل، ولا نعلمُ في ذلك خلافاً ».
قوله :« حساباً ». صفة ل « عطاءً »، والمعنى : كافياً، فهو مصدر أقيم مقام الوصف أو بولغ فيه، أو على حذف مضاف، من قولهم : أحْسبَنِي الشيء أي : كفاني.
وقال قتادةٌ :« عَطاءً حِسَاباً » أي : كثيراً، يقال : أحسبتُ فلاناً أي : أكثرت له العطايا حتى قال : حسبي.