وأصل « الرَّجفَةِ » الحركةُ، قال تعالى :﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض ﴾ [ المزمل : ١٤ ]، وليست الرجفة هناك من الحركة فقط، بل من قولهم : رجف الرَّعدُ يرجف رجفاً ورجيفاً، أي : أظهرت الصوت والحركة، ومنه سُمِّيت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها، وإفاضة النَّاس فيها.
وقيل : الرجفة هذه منكرة في السحاب، ومنه قوله تعالى :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة ﴾ [ الأعراف : ٧٨ ].
وأما الرادفة : فكل شيء جاء بعد شيء آخر، يقال : ردفهُ : أي : جاء بعده.
قوله :﴿ قُلُوبٌ ﴾ مبتدأ، و « يومئذ » منصوب ب « وَاجِفَة »، و « وَاجِفَة » صفة القلوب، وهو المسوغ للابتداء بالنكرة، و « أبْصارُهَا » مبتدأ ثانٍ، و « خَاشِعَة » خبره، وهو وخبره خبر الأول، وفي الكلام حذف مضاف، تقديره : أبصار أصحاب القلوب.
قال ابن عطية : وجاز ذلك، أي : الابتداء ب « قُلُوب »؛ لأنها تخصصت بقوله :« يَوْمَئِذ ».
ورد عليه أبو حيان : بأن ظرف الزَّمان لا يخصص الجثث، يعني : لا يوصف به الجثث.
و « الواجِفة » : الخائفة الوجلة، قاله ابن عباس، يقال : وجَفَ يَجِفُ وجِيفاً، وأصله : اضطراب القلب.
قال قيس بن الخطيم :[ المنسرح ]

٥٠٨٨- إنَّ بَنِي جَحْجَبَى وأسرتَهُمْ أكْبَادُنَا مِنْ وَرائِهمْ تَجِفُ
وقال السديُّ : زَائلةٌ عن أماكنها، ونظيره :﴿ إِذِ القلوب لَدَى الحناجر ﴾ [ غافر : ١٨ ].
وقال المؤرج، قلقة مستوفزة، مُرتكضةٌ غير ساكنة.
وقال المبرد : مضطربة، والمعنى متقارب، والمراد : قلوب الكفَّار، يقال : وجَفَ القلب يَجِفُ وجِيفاً : إذا خفق، كما يقال : وجَبَ يَجِبُ وَجِيْباً - بالياء الموحدة - بدل الفاء، ومنه وجيف الفرس والنَّاقة في العدوِ.
والإيجاف : حمل الدابة على السير السريع.
قوله :﴿ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾ أي : مُنْكَسِرةٌ ذليلة من هول ما ترى، نظيره :﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ [ القلم : ٤٣ ].
قوله :﴿ يَقُولُونَ ﴾ أي : يقول هؤلاء المكذِّبون المنكِرُونَ للبعث إذا قيل لهم : إنكم تُبْعَثُون، قالوا منكرين متعجبين : أنُرَدُّ بعد موتتنا إلى أول الأمر، فنعود أحياء، كما كنا قبل الموت؟ وهو كقولهم :﴿ أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ﴾ [ الإسراء : ٤٩ ].
قوله :﴿ فِي الحافرة ﴾ « الحافرة » : التي يرجعُ الإنسان فيها من حيث جاء، يقال : رجع في حافرته، ثم يعبر عن الرجوع في الأحوال من آخر الأمر إلى أوله؛ قال :[ الوافر ]
٥٠٨٩- أحَافِرةً عَلى صَلعٍ وشَيْبٍ؟ مَعاذَ اللهِ من سَفهٍ وعَارِ
يقول : أأرجعُ ما كنت عليه في شبابي مع الغزلِ والصبا بعد أن شبت وصلعت؟.
وأصله : أنَّ الإنسان إذا رجع في طريقه أثرت قدماه فيها حفراً.
وقال الراغبُ، في قوله تعالى :﴿ فِي الحافرة ﴾ مثل لمن يرد من حيث جاء، أي : أنَحْيَا بعد أن نموت؟.
وقيل :« الحَافرة »، الأرضُ التي جُعلتْ قبُورهُمْ فيها، ومعناه : أئِنَّا لمردودون ونحن في الحافرة؟ أي : في القبور.
وقوله :« في الحافرة » على هذا في موضع الحال، ويقال : رجع الشيخ إلى حافرته، أي : هرم لقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon