﴿ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر ﴾ [ النحل : ٧٠ ].
وقولهم :« النقد عند الحافرة » لما يباع نقداً، وأصله من الفرس إذا بيع، فيقال : لا يزول حافره، أو ينقد ثمنه.
والحفر : تآكل الأسنان، ود حفر فوه حفراً، وقد أحفر المهر للأثناء والأرباع.
والحافرة :« فاعلة » بمعنى :« مفعولة »، وهي الأرض التي تحفر قبورهم فيها فهي بمعنى :« المحفورة »، كقوله تعالى :﴿ مَّآءٍ دَافِقٍ ﴾ [ الطارق : ٦ ]، و ﴿ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ [ القارعة : ٧ ]، والمعنى : أئِنَّا لمردودون في قبورنا.
وقيل : على النسب، أي : ذاتُ حفر.
وقيل : سُمِّيت الأرض الحافرة؛ لأنها مستقر الحوافر، كما سمِّيت القدم أرضاً؛ لأنها على الأرض، لقولهم : الحافرة جمع حافرة بمعنى : القدم أي : نمشي أحياء على أقدامنا، ونطأ بها الأرض.
وقيل : هي أول الأمر.
ويقول التجار :« النقد في الحافرة » أي في أول السّوم؛ وقال الشاعر :[ السريع ]
٥٠٩٠- آلَيْتُ لا أنْسَاكُم فاعْلَمُوا | حَتَّى يُرَدَّ النَّاسُ في الحَافِرَهْ |
وقال مقاتلٌ وزيدُ بن أسلم : هي اسم من أسماء النار.
وقال ابنُ عبَّاسٍ : الحافرة في كلام العرب : الأرض التي تغيَّرت وأنتنت بأجسادِ موتاها، من قولهم : حفرت أسنانه، أي : تآكلت، أي : دكها الوسخُ من باطنها وظاهرها، ويجوز تعلقه ب « مردودون »، أو : بمحذوف على أنه حال.
فصل في تفسير الآية
قال ابن الخطيب : هذه الأحوال المتقدمة هي أحوال القيامة عند جمهور المفسرين.
وقال أبو مسلم : هذه الأحوال ليست هي أحوال القيامة؛ لأنه فسَّر « النَّازعات » بنزعِ القوسِ، و « المُدبِّرات » بالأمور التي تحصل أدبار ذلك الرمي، والعدو، ثم بنى على ذلك فقال :« الرَّاجفَة » هي خيلُ المشركين، وكذلك « الرَّادفة »، وهما طائفتان من المشركين غزوا رسول الله ﷺ فسبقت إحداهما الأخرى، والقلوب الواجفة، هي القلقةُ، والأبصار الخاشعة، هي أبصار المنافقين، كقوله تعالى :﴿ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت ﴾ [ محمد : ٢٠ ]، كأنَّه قيل : لمَّا جاء خيل العدو ترجف؛ لأنها اضطربت قلوب المنافقين خوفاً، وخشعت أبصارهم جُبْناً وضَعْفاً ثم قالوا :« أئِنَّا لمردودون فِي الحَافِرَةِ » أي : نرجع إلى الدنيا حتى نتحمّل هذا الخوف لأجلها. وقالوا أيضاً :« تِلْكَ إذا كَرَّة خَاسِرةٌ »، فأول هذا الكلام حكاية لحال من غزا رسول الله ﷺ من المشركين، وأوسطه حكاية لحال المنافقين، وآخره حكاية لكلام المنافقين في إنكار الحشر، ثم إنه - تعالى - أجاب عن كلامهم بقوله تعالى :﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بالساهرة ﴾.
قال ابن الخطيب : وكلام أبي مسلم محتملٌ، وإن كان على خلاف قولِ الجمهور.