قوله :﴿ هَل لَّكَ ﴾ خبر مبتدأ مضمر.
و ﴿ إلى أَن تزكى ﴾ متعلِّق بذلك المبتدأ، وهو حذفٌ سائغٌ، والتقدير : هل لك سبيل إلى التزكية، ومثله : هل لك في الخير، تريد : هل لك رغبة في الخير؛ قال :[ الطويل ]
٥٠٩٨- فَهَلْ لَكمُ فِيهَا إليَّ فإنَّنِي | بَصِيرٌ بِمَا أعْيَا النِّطاسِيَّ حِذْيَمَا |
وقال غيره : يقال : هل لك في كذا، هل لك إلى كذا كما تقول : هل ترغب فيه وهل ترغب إليه؟.
قال الواحدي : المبتدأ محذوف في اللفظ، مراد في المعنى، والتقدير : هل لك إلى أن تزكَّى حاجة.
وقرأ نافع وابن كثير : بتشديد الزاي من « تزكَّى » والأصل تتزكى، وكذلك « تَصدَّى » في السورة تحتها، فالحرميان : أدغما، والباقون : حذفوا، نحو تنزل، وتقدَّم الخلاف في أيتهما المحذوفة.
فصل في تفسير الآية
معنى « هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزكَّى » أي : تُسْلِم فتطهرُ من الذُّنُوبِ.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - هل لك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله.
و « أهْديكَ إلى ربِّك فتَخْشَى » أي : تخافُه وتتقيه.
قال ابن الخطيب : سائر الآيات تدل على أنه - تعالى - لمَّا نادى موسى - ﷺ - ذكر له أشياء كثيرة، كقوله تعالى في سورة « طه » :﴿ نُودِيَ ياموسى إني أَنَاْ رَبُّكَ ﴾ [ طه : ١١، ١٢ ] إلى قوله :﴿ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الكبرى اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى ﴾ [ طه : ٢٣، ٢٤ ].
فدلَّ [ قوله تعالى - هاهنا - :« اذْهَبْ إلى فِرعَوْنَ إنَّه طَغَى » ] أنه من جملة ما ناداه به [ لا كل ما ناداه به ]، وأيضاً فليس الغرض أنَّه ﷺ كان مبعوثاً إلى فرعون فقط بل إلى كل من كان في الطور، إلاَّ أنَّه خصَّه دعوته جاريةٌ مجرى دعوةِ كُلِّ القَوْمِ.
فصل في كلام المعتزلة
تمسَّك المعتزلة بهذه الآية في إبطال القول بأن الله - تعالى - يخلق فعل العبد، فإن هذا استفهام على سبيل التقرير، أي : لك سبيل إلى أن تزكَّى، ولو كان ذلك بفعل الله - تعالى - لا نقلب الكلام حجةً على موسى.
والجواب : ما تقدَّم في نظائره.
حكى القرطبيُّ عن صخرِ بنِ جويرية قال :« لمَّا بعث الله تعالى موسى - ﷺ - إلى فرعون، قال له :» اذْهَبْ إلى فِرْعَونَ « إلى قوله :» وأهْديكَ إلى ربِّك فتَخْشَى «، ولن يفعل، فقال : يا رب، وكيف أذهب إليه، وقد علمت أنه لا يفعل، فأوحى الله - تعالى - إليه أن امض إلى ما أمرتَ به، فإنَّ في السماء اثني عشر ألفاً ملك، يطلبون علم القدرة، فلم يبلغوه، ولم يدركوه ».