قوله تعالى :﴿ وَأَغْطَشَ ﴾. أي : أظلم بلغة أنمار، يقال : غطشَ الليلُ، وأغطشته أنا؛ قال :[ المتقارب ]

٥١٠٠- عَقرْتُ لَهُمْ نَاقَتِي مَوهِناً فَليْلهُم مُدلَهِمٌّ غَطِشْ
وليل أغطش، وليلة غطشاء.
قال الراغب : وأصله من الأغطش، وهو الذي في عينه شبه عمش، ومنه فلاة غَطْشَى لا يهتدى فيها، والتَّغَاطشُ : التَّعامِي انتهى.
ويقال : أغْطشَ اللَّيْلُ قاصراً ك « أظلم »، ف « أفْعَلَ » فيه متعدٍّ ولازمٍ، فالغَطَشُ والغَتَشُ : الظُّلمة، ورجل أغطش، أي : أعْمَى، أو شبيهٌ به، وقد غطش، والمرأة : غطشاءُ، وفلاة غَطْشَى لا يهتدى لها؛ قال الأعشى :[ المتقارب ]
٥١٠١- وبَهْمَاءَ بالليْلِ غَطْشَى الفَلاَ ةِ يُؤنِسُنِي صَوْتُ قَيَّادِهَا
ومعنى قوله :﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ﴾ أي : جعلهُ مُظلماً، وأضاف اللَّيل إلى السَّماء؛ لأنَّ الليل يكون بغروب الشمس، والشمس تضاف إلى السماء، ويقال : نجُومُ اللَّيْلِ؛ لأنَّ ظهورها بالليل.
قوله :﴿ وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾، فيه حذف، أي : ضحى شمسها، وأضاف الليل والضحى لها للملابسة التي بينها وبينهما، وإنَّما عبَّر عن النَّهارِ بالضحى؛ لأنَّ الضُّحى أكمل النَّهار بالنَّور والضَّوءِ.
قوله تعالى :﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ أي : بسطها، و « بَعْدَ » على بابها من التأخير، ولا معارضة بينها وبين آية فُصلت؛ لأنَّه - تعالى - خلق الأرض غير مدحوة، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض.
وقول أبي عبيدة : إنَّها بمعنى :« قَبْلَ » منكرٌ عند العلماء.
والعرب تقول : دحوتُ الشيء ادحوهُ دحْواً : إذا بسطه، ودحَى يَدحِي دَحْياً : إذا بسطه، فهو من ذوات الواو والياء، فيكتب بالألف، والياء.
وقيل لعشّ النَّعامة : أدحو، وأدحى لانبساطه في الأرض.
وقال أمية بن أبي الصلت :[ الوافر ]
٥١٠٢- وبَثَّ الخَلْقَ فِيهَا إذْ دَحاهَا فَهُمْ قُطَّانُهَا حتَّى التَّنَادِي
وقيل : دَحَى بمعنى سوَّى.
قال زيدُ بنُ عمرو بن نفيلٍ :[ المتقارب ]
٥١٠٣- وأسْلَمْتُ وجْهِي لِمَنْ أسْلمَتْ لَهُ الأرْضُ تَحْمِلُ صَخْراً ثِقَالاً
دَحَاهَا فلمَّا اسْتَوَتْ شَدَّهَا بأيدٍ وأرْسَى عَلَيْهَا الجِبَالا
والعامة : على نصب الأرض، والجبال على إضمار فعلٍ مفسَّر بما بعده، وهو المختار لتقدُّم جملة فعلية.
ورفعهما الحسن، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة وأبو السمال وعمرو بن عبيد، برفعهما علىلابتداء، وعيسى برفع « الأرض » فقط.

فصل


روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : خلق الله تعالى الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان، وكان قبل أن يخلق الدُّنيا بألفي عام، ثم دُحيتِ الأرض من تحت البيت.
وحكى القرطبي عن بعض أهل العلم أنَّ « بَعْدَ » هنا في موضع :« مع »، كأنَّه قال : والأرض مع ذلك دحاها، كقوله تعالى :﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ [ القلم : ١٣ ]، ومنه قولهم :« أنت أحمق، وأنت بعد هذا سيِّئُ الخلقِ »؛ وقال الشاعر :[ الطويل ]


الصفحة التالية
Icon