قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾. لما سمع المشركون أخبار القيامة، ووصفها بالأوصاف الهائلة مثل :« الطَّامة الكبرى »، و « الصَّاخَّة »، و « القاَرِعَة »، سألوا رسول الله ﷺ استهزاءً، متى تكون الساعة؟.
وقيل : يحتمل أن يكون ذلك إيهاماً لأيقاعهم أنَّه لا أصْلَ لذلكَ، ويحتملُ أنَّهم كانوا يسألونه عن وقت القيامة استعجالاً كقوله :﴿ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا ﴾ [ الشورى : ١٨ ].
وقوله :﴿ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾، أي : إقامتها، والمعنى : أيُّ شيء يقيمُها ويوجدُها، ويكون المعنى : أيان منتهاها ومستقرها، كما أنَّ مرسى السفينة : مستقرّها الذي تنتهي إليه فأجابهم الله - تعالى - بقوله :﴿ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ﴾.
قوله « فِيْمَ » خبر مقدم و « أنْتَ » مبتدأ مؤخرٌ، و « مِنْ ذِكْراهَا » متعلقٌ بما تعلق به الخبر، والمعنى : أنت في أي شيء من ذكراها، أي : ما أنْتَ من ذكراهَا لهم وتبين وقتها في شيء.
وقال الزمخشري :« وعن عائشة - رضي الله عنها - لم يزل رسول الله عليه وسلم يذكر الساعة، ويسأل عنها ويذكرها حتى نزلت، قال :» فَهوَ عَلى هَذَا تَعجَّبَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرهِ لَهَا كأنَّهُ قِيلَ : فِي أيِّ شُغلٍ واهتمامٍ أنْتَ من ذِكرِهَا والسُّؤال عَنْهَا «.
وقيل : الوقف على قوله :»
فيم «، وهو خبر مبتدأ مضمر، أي : فيم هذا السؤال، ثم يبتدئ بقوله :» أنْت مِنْ ذِكراهَا « أي : إرسالك، وأنت خاتم الأنبياء، وآخر الرسل، والمبعوث في تسمية ذكر من ذكراها، وعلامة من علاماتها، فكفاهُم بذلك دليلاً على دُنوِّها، ومشارفتها، والاستعداد لها، ولا معنى لسؤالهم عنها.
قاله الزمخشري : وهو كلام حسنٌ، لولا أنَّه يخالف الظاهر، وتفكيك لنظم الكلام.
ومعنى »
إلى ربِّك مُنتَهاهَا « منتهى علمها، كقوله تعالى :﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ]، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة ﴾ [ لقمان : ٣٤ ].
قال القرطبي : ويجوز أن يكون إنكاراً على المشركين في مسألتهم له، أي : فيم أنت من ذلك حتى يسألوك بيانه، ولست ممن يعلمه، وروي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قوله تعالى :﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴾.
العامة : على إضافة الصفة لمعمولها تخفيفاً.
وقرأ عمر بن عبد العزيزِ وأبو جعفرٍ، وطلحةُ، وابن محيصنٍ : بالتنوين، ويكون في موضع نصب، والمعنى : إنَّما ينتفع بإنذارك من يخشى الساعة.
قال الزمخشري : وهو الأصل، والإضافة تخفيف، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال، فإذا أريد الماضي، فليس إلا الإضافة، كقولك : هو منذرٌ زيدٍ أمس.
قال أبو حيان : قوله :»
هُو الأصل « يعني :» التنوين «، هو قول قاله غيره.
ثم اختار أبو حيَّان : أن الأصل الإضافة، قال : لأنَّ العمل إنما هو بالشبه، والإضافة أصل في الأسماء، ثم قال : وقوله :»
ليس إلا الإضافة « فيه تفصيل وخلاف مذكورفي كتب النحو.


الصفحة التالية
Icon