فصل فيمن استدل بالآية على جواز صدور الذنوب من الأنبياء


قال ابن الخطيب : تمسَّك القائلون بصدورِ الذنب عن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بهذه الآية.
وقالوا : لمَّا عُوتبَ النبيُّ ﷺ على ذلك الفعل دلَّ على أنَّه كان معصية.
قال ابن الخطيب : وهذا بعيد لما ذكرنا في الجواب عن الأول، وأيضاً : فإن هذا من باب الاحتياط وترك الأفضل.
قوله تعالى :﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى ﴾ ؛ الظاهر أنه أجرى التَّرجي مجرى الاستفهام، لما بينهما من معنى الطَّلب في التَّعليق، لأن المعنى منصب على تسليط الدراية على التَّرجي، إذ التقدير : لا يدري ما هو مترجّى منه التركيب، أو التذكر.
وقيل : الوقف على « يَدْرِي »، والابتداء بما بعده على معنى : وما يطلعك على أمره، وعاقبة حاله، ثم ابتدأ، فقال :« لعلَّه يزكَّى ».

فصل في تحرير الضمير في قوله :« لعله »


قيل : الضمير في « لعلَّهُ » للكافر، يعني : لعل إذا طمعت في أن يتزكَّى بالإسلام.
﴿ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذكرى ﴾ أي : قبول الحق، « وما يدريك » أنَّ ما طمعت فيه كائن، ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ].
وقوله :﴿ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا ﴾ [ الكهف : ٢٨ ].
قوله :﴿ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذكرى ﴾.
قرأ عاصم :« فتنفعه » بالنصب.
والباقون : بالرفع.
فمن رفع، فهو نسق على قوله :« أو يذَّكرُ ».
ومن نصب، فعلى جواب التَّرجي كقوله في « المؤمن » :﴿ فَأَطَّلِعَ ﴾ [ غافر : ٣٧ ]، وهو مذهب كوفي وقد تقدم الكلام عليه.
وقال ابن عطية : في جواب التمني؛ لأنَّ قوله تعالى :﴿ أَوْ يَذَّكَّرُ ﴾ في حكم قوله :﴿ لَعَلَّهُ يزكى ﴾.
قال أبو حيان :« وهذا ليس تمنياً إنما هو ترجٍّ ».
قال شهاب الدين : إنما يريد التًّمني المفهوم من الكلام، ويدلُّ له ما قاله أبو البقاء :« وبالنصب على جواب التمني في المعنى »، وإلاَّ فالفرق بين التمنِّي والترجِّي لا يجهله ابن عطية.
وقال مكي :« من نصبه جعله جواب » لَعلَّ « بالفاء؛ لأنَّه غير موجب، فأشبه التَّمني والاستفهام، وهو غير معروف عند البصريين » وقرأ عاصمٌ في رواية الأعرج :« أو يذْكُر » - بسكون الذال، وتخفيف الكاف مضمومة - مضارع « ذكر »، والمعنى : أو يتَّعظ بما يقوله :« فتنفعه الذكرى » أي : العِظَةُ.


الصفحة التالية
Icon