قال شهاب الدين : فلا بد من تضمينه معنى « أعْطَى » حتى ينصب اثنين، أو حُذف حرف الجر أي : يسَّره للسَّبيل، ولذلك قدره بقوله :« هَداه له »، ويجوز أن يكون « السَّبيل » منصوباً على الاشتغالِ بفعلٍِ مقدرٍ، والضمير له، تقديره : ثم يسِّر السبيل يسَّره، أي : سهلهُ للناس، كقوله تعالى :﴿ أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى ﴾ [ طه : ٥٠ ]، وتقدَّم مثله في قوله تعالى :﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل ﴾ [ الإنسان : ٣ ].
فصل في تفسير الآية
روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ومجاهدٍ قالا : سبيل الشقاء والسعادة.
وقال ابن زيد : سبيل الإسلام، وقال أبو بكر بن طاهر : يسّر على كلّ أحد ما خلقهُ لهُ وقدره عليه، لقوله ﷺ :« اعْمَلُوا فكُلٌّ مُيسَّرٌ لمَا خُلِقَ لَهُ ».
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ هذه المرتبة الثالثة، أي : جعل له قبراً يوارى فيه يقال : قبرهُ إذا دفنه، وأقبرهُ، أي : جعلهُ بحيث يقبر، وجعل له قبراً إكراماً له، ولم يجعله ممَّن يُلْقَى على وجه الأرض تأكله الطير. قاله الفراء.
قال أبو عبيدة :« أقْبَرَهُ » جعل له قبراً، وأمرَ أن يقبر، والقَابِرُ : هو الدَّافن بيده؛ قال : الأعشى :[ السريع ]
٥١٠٨- لَوْ أسْندَتْ مَيْتاً إلى نَحْرِهَا | عَاشَ ولَمْ يُنْقَلْ إلى قَابرِ |
وتقول العرب : بترت ذنب البعير وأبتره الله، وعضبت قرن الثور، وأعضبه الله وطردت فلاناً، والله أطرده، أي : صَيَّره طريداً.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ ﴾. أي : أحياه بعد موته، ومفعول شاء محذوف، أي : شاء إنشارهُ، و « أنشره » جواب « إذا ».
وقرأ العامة :« أنْشَرَ »، بالألف.
وروى أبو حيوة عن نافع وشعيب عن ابن أبي حمزة :« نَشَرهُ » ثلاثياً بغير ألف.
ونقلها أبو الفضل أيضاً، وقال : هما لغتان بمعنى الإحياء.
قال ابن الخطيب : وإنَّما قال :« إذا شَاءَ أنشرهُ » إشعاراً بأنَّ وقته غير معلوم، فتقديمه وتأخيره موكولٌ إلى مشيئة الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ ﴾ « كلاَّ » : ردعٌ للإنسان عن تكبُّره، وترفعه، وعن كفره، وإصراره عن إنكار التوحيد، وعلى إنكار البعث، والحشر والنشر وقوله تعالى :﴿ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ ﴾ قال مجاهد وقتادة : لا يقضي أحدٌ جميع ما أمر به، وهو إشارة إلى أن الإنسان لا ينفكُّ عن تقصير ألبتَّة.
قال ابن الخطيب : وعندي في هذا التفسير نظر؛ لأن الضمير فيه عائد إلى المذكور السَّابق وهو الإنسان في قوله تعالى :﴿ قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ ﴾ وليس المراد من الإنسان هنا : جميع الإنسان، بل الإنسان الكافر، فقوله تعالى :﴿ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ ﴾، كيف يمكن حمله على جميع الناس؟.