والوجه الثالث : أنَّها في محل رفعٍ خبر لمبتدأ محذوف، أي : هو أنَّا صَببنَا، وفيه ذلك النظر المتقدم؛ لأنَّ الضمير إن عاد على الطعام، فالطعام ليس هو نفس الصب، وإن عاد على غيره، فهو غير معلوم، وجوابه ما تقدم.
وأما القراءة الثانية : فعلى الاستئناف تقديراً لنعمه عليه.
وأما القراءة الثالثة :« أنَّى » التي بمعنى :« كَيْفَ »، وفيها معنى التَّعجُّب، فهي على هذه القراءة كلمة واحدة، وعلى غيرها كلمتان.
قال القرطبي : فمن أخذ بهذه القراءة، قال : الوقف على « طعامه » تام، ويقال : معنى « أنَّى » : أين، إلاَّ أنَّ فيها كناية عن الوجوه، وتأويلها : من أي وجهٍ صببنا؛ قال : الكميت :[ المنسرح ]
٥١٠٩- أنَّى، ومِنْ أيْنَ آبَكَ الطَّربُ | مِنْ حَيْثُ لا صبْوةُ ولا رَيبُ |
فصل في المراد بصبّ الماء
قوله :﴿ صَبَبْنَا المآء صَبّاً ﴾، يعني : الغيث والأمطار، ﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً ﴾ أي : بالنبات ﴿ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ﴾ أي : قَمْحاً وشعيراً وسلقاً، وسائر ما يحصد ويدخر، وإنما قدم ذلك لأنها كالأصل في الأغذية، « وعِنَباً » وإنما ذكره بعد الحب؛ لأنه غذاء من وجه، وفاكهة من وجه.
قوله :﴿ وَقَضْباً ﴾ : القَضْبُ هنا، قال ابن عباس : هو الرطبُ، لأنه يقضب النخل، أي : يقطع، ورجَّحه بعضهم بذكره بعد العنب، وكثيراً ما يقترنان.
وقيل : القت.
قال القتيبي : كذا يسميه أهلُ « مكة ».
وقيل : كُل ما يُقْضَبُ من البُقولِ لبني آدمَ.
وقيل : هو الرَّطبةُ، والمقاضب : الأرض التي تنبتها.
قال الراغب : والقَضْبُ : كالقضيب، لكن القضيب يستعمل في فروع الشجر، والقضبُ يستعمل في البقل، والقَضَبُ : أي بالفتح قطع القَضْب والقضيب، وعنه ﷺ أنه كان إذا رأى في ثوبٍ تصليباً قضبه، وسيفٌ قاضبٌ وقضيبٌ، أي : قاطعٌ، فالقضيب - هاهنا - بمعنى : الفاعل، وفي الأول : بمعنى المفعول، وكذا قولهم : ناقة قضيب، لما تركب من بين الإبل ولما ترض، ويقال لكل ما لم يهذب : مقتضب، ومنه اقتضاب الحديث، لما لم يترو فيه.
وقال الخليل : القَضْبُ : أغصان الشجرة التي يتّخذ منها سهامٌ أو قسيٌّ.
وقال ابن عباس : إنه الفصفصة، وهوالقتّ الرطب.
وقال الخليل : القَضْبُ : الفصفصة الرطبة.
وقيل : بالسين، فإذا يبست فهو قتّ.
قوله :﴿ وَزَيْتُوناً ﴾. وهي : شجرة الزيتون، ﴿ وَنَخْلاً ﴾ يعني : النخيل.
قوله :﴿ وَحَدَآئِقَ غُلْباً ﴾. جمع « أغلبَ وغلبَاء » ك « حُمْر » في « أحْمرَ، وحَمْراءَ »، يقال : حديقة غلباء، أي : غليظة الشجر ملتفة، واغلولب العشب أي : غلظ، وأصله في وصف الرقاب يقال : رجل أغلب، وامرأة غلباء، أي : غليظة الرقبة.
قال عمرو بن معديكرب :[ الكامل ]