قال القرطبي :« ويحتمل أن يكون » انكدارها « : طمسَ آثارها، وسميت النجوم نجوماً لظهورها في السماء بضوئها.
وعن ابن عباس - أيضاً - :»
انْكَدرَتْ « : تغيَّرت، فلم يبق لها ضوءٌ لزوالها عن أماكنها، والمعنى متقارب.
قوله :﴿ وَإِذَا الجبال سُيِّرَتْ ﴾، يعني : قطعت عن وجه الأرض وسيرت في الهواء، لقوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال وَتَرَى الأرض بَارِزَةً ﴾ [ الكهف : ٤٧ ]، وقوله تعالى :﴿ وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً ﴾ [ النبأ : ٢٠ ] في الهواء، لقوله تعالى :﴿ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب ﴾ [ النمل : ٨٨ ].
وقيل : سيرها أن تحوَّل عن صفة الجبال للحجارة، فتكون كثيباً مهيلاً، أي : رملاً سائلاً، وتكون كالعِهْن، وتكون هباءً منبثاً، وتكون مثل السَّراب الذي ليس بشيءٍ، وعادت الأرض قاعاً صفصفاً، ﴿ لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً ﴾ [ طه : ١٠٧ ].
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا العشار عُطِّلَتْ ﴾. العشار : جمع عشراء، وهي : الناقة التي مر لحملها عشرة أشهر، ثم هو اسمها إلى أن تضع في تمام السَّنة وكذلك يقال في جمع نفساء.
قال القرطبي : وهو اسمها بعد ما تضع أيضاً، ومن عادة العرب أن يسمُّوا الشيء باسمه المتقدم، وإن كان قد جاوز ذلك، يقول الرجل لفرسه وقد قرح : قربوا مهري يسميه بمتقدم اسمه، وإنَّما خصَّ العشار بالذكر؛ لأنَّها أعزُّ ما يكون عند العرب، وهذا على وجه المثل؛ لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء، أو المعنى : أنَّ يوم القيامة بحالٍ لو كان للرجل ناقة عشراء لعطَّلها، واشتغل بنفسه، يقال : ناقة عشراء، وناقتان عشراوتانِ، ونوقٌ عشارٌ وعشراوات، يبدلون من همزة التأنيث واواً.
وقد عشرت الناقة تعشيراً : أي : صارت عشراء.
وقيل :»
العِشَارُ « : السَّحاب، و » عطلت « : أي : لا تمطر.
والعرب تشبه السحاب بالحامل، قال تعالى :﴿ فالحاملات وِقْراً ﴾ [ الذاريات : ٢ ].
وقيل : الأرض تعطل زرعها.
والتعطيل : الإهمال، ومنه قيل للمرأة : عاطل إذا لم يكن عليها حُليّ. وتقدم في »
بئر معطلة «.
قال امرؤ القيس :[ الطويل ]

٥١٢٠- وجيدِ كَجيدِ الرِّئمِ لَيْسَ بفَاحِشٍ إذَا هِيَ نَصَّتْهُ ولا بِمُعَطِّلِ
وقرأ ابنُ كثير في رواية :» عُطِلت « بتخفيف الطاء.
قال الرازي : هو غلطٌ، إنما هو بفتحتين، بمعنى :»
تعطَّلتْ «؛ لأن التشديد فيه للتعدي، يقال : عطلت الشيء، وأعطله فعطل.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ ﴾، الوحوش : ما لم يتأنس به من حيوان البرّ، والوحشُ أيضاً : المكان الذي لا أنس فيه، ومنه : لقيته بوحش أي : ببلد قفر، والوحشُ : الذي يبيت وجوفه خالياً من طعامٍ، وجمعه : أوحاشٌ، وسمِّي به المنسوب إلى المكان الوحشيّ : وحشي، وعبر بالوحشيّ عن الجانب الذي يضاد الإنسي، والإنسي : ما يقبل من الإنسان وعلى هذا وحشي الفرس وإنسيه.
وقوله تعالى :﴿ حُشِرَتْ ﴾. أي : جمعت، والحشرُ : الجمع قاله الحسنُ وقتادةُ وغيرهما.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : حشرها موتها، رواه عكرمة، وحشر كلِّ شيءٍ : الموت لغير الجن والإنس، فإنهما يوافيان يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon