وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : يحشَرُ كلُّ شيءٍ حتى الذباب.
وعن ابن عباس - أيضاً - : يحشر الوحوش غداً، أي : تُجمع، حتى يقتصّ لبعضها من بعض، فيقتص للجمَّاء من القرناء ثم يقال لها : كوني تراباً فتموت.
وقرأ الحسن وابن ميمون :« حُشِّرت » بتشديد الشين.
ومعنى الآية : أي : أنَّ الوحوش إذا كانت هذه حالها فكيف ببني آدم؟.
وقيل : أي : أنَّها مع نفرتها اليوم من النَّاس، وتبددها في الصحاري، تنضمّ غداً إلى الناس من أهوال ذلك اليوم؛ قاله أبي بن كعب.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ ﴾.
قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمروٍ :« سُجِرتْ » بتخفيف الجيم.
والباقون : بتثقيلها على المبالغة والتنكير.
والمعنى : مُلئتْ من الماء، والعرب تقول : سجرتُ الحوضَ أسجره سجراً إذا ملأتهُ، وهو مسجورٌ، والمسجورُ والسَّاجرُ في اللغة : المَلآن.
وروى الربيع بن خيثمٍ :« سُجِّرَت » : فاضت وملئت، قال تعالى :﴿ وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ ﴾ [ الانفطار : ٣ ].
وقال الحسن : اختلطت وصارت شيئاً واحداً.
وقيل : أرسل عذبها على مالحها، ومالحها على عذبها حتى امتلأت.
وقال القشيريُّ : يرفع الله الحاجز الذي ذكره - تعالى - في قوله :﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ ﴾ [ الرحمن : ٢٠ ]، فإذا رفع ذلك البرزج تفجَّرت مياه البحار، فعمَّت الأرض كلَّها، وصارت بحراً واحداً.
وعن الحسن وقتادة وابن حيان : تيبس، فلا يبقى من مائها قطرةٌ.
قال القشيريُّ : وهو من سجرتُ التنور أسجره سجراً : إذا أحميته، وإذا سلط عليه الإيقاد نشف ما فيه من الرُّطوبة، وتقدم اشتقاق هذه المادة.
قال القفالُ : وهذا التأويل يحتمل وجوهاً :
الأول : أن تكون جهنم في قعر البحار، فهي الآن غير مسجرة بقوام الدنيا، فإذا انتهت مدة الدنيا أوصل الله تعالى تأثير ذلك النِّيران إلى البِحَار، فصارت مسجورة بالكلية، وهذا قولُ ابن زيد، وعطية، وسفيان، ووهب، وأبيّ، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس في رواية، والضحاك - رضي الله عنهم - أوقدت فصارت ناراً.
الثاني : قال ابن عباس : يُكوِّر الله تعالى الشمس، والقمر، والنجوم في البحار، فتصير البحار مسجورة بسبب ذلك يبعث الله - تعالى - [ لها ] ريحاً دبوراً، فتنفخه حتى تصير ناراً، كذا جاء في الحديث.
الثالث : أن يخلق الله - تعالى - تحت البحار نيراناً عظيمة حتى تسجر تلك المياه.
قال ابن الخطيب : وهذه وجوه متكلِّفة، ولا حاجة إلى شيء منها؛ لأن القادر على تخريب الدنيا يقدر على أن يفعل في البحار ما شاء من تسجير مياهها، ومن قلب مياهها ناراً من غير حاجةٍ إلى أن يلقي فيها الشمس والقمر، أو يكون تحتها نار جهنم.
قال القرطبيُّ : وروي عن ابنِ عمرو - رضي الله عنه - : لا يتوضأ بماء البحر لأنه طبق جهنم.