وقال أبي بن كعب رضي الله عنه : ستّ آيات قبل يوم القيامة : بينما الناس في أسواقهم إذا ذهب ضوءُ الشمس، فتحيَّروا ودهشُوا، فبينما هم كذلك ينظرون إذا تناثرت النجوم، وتساقطت، فبينما هم كذلك إذا وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت، واحترقت فصارت هباءً منبثاً، ففزعتِ الجنُّ إلى الإنسِ، وفزعتِ الإنسُ إلى الجنِّ، واختلط الدواب، والوحش، والهوام والطير، وماج بعضها في بعض، فذلك قوله تعالى :﴿ وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ ﴾، ثم قالت الجنُّ للإنس : نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحار فإذا هي نار تأجَّجُ، فبينما هم كذلك إذا تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك إذا جاءتهم ريح، فأماتتهم.
وقال ابن الخطيب : وهذه العلامات يمكن أن تكون عند خراب الدنيا، وأن تكون بعد القيامة.
وقيل : معنى « سُجِّرتْ » يحمر ماؤها حتى يصير كالدَّم، من قولهم :« عَيْنٌ سَجراءُ ». أي : حمراء.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ ﴾.
العامة : على تشديد « الواو » من « زوَّجت » من التزويج.
وروي عن عاصم :« زُوْوجَتْ » على وزن « فُوعِلتْ ».
قال أبو حيان :« والمُفاعَلةُ » تكون من اثنين.
قال شهابُ الدِّين : وهي قراءةٌ مشكلةٌ؛ لأنَّه لا ينبغي أن يلفظ بواو ساكنة، ثم أخرى مكسورة، وقد تقدم أنه متى اجتمع مثلان، وسكن أولهما وجب الإدغام حتى في كلمتين، ففي كلمة واحدة أولى.

فصل في المراد بالآية


قال النُّعمانُ بنُ بشيرٍ : قال النبي ﷺ :« ﴿ وإذَا النُّفوسُ زُوِّجَتْ ﴾ قال :» يُقْرَنُ كُل رجُلٍ مَعَ كُلِّ قومٍ كَانُوا يَعْملُونَ كعَملهِ « ».
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : يقرن الفاجرُ مع الفاجر، ويقرن الصالحُ مع الصالحِ.
وقال ابن عباس رضي الله عنه : ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة : السَّابقون زوج صِنْفاُ، وأصحاب اليمين زوجٌ، وأصحاب الشِّمال زوجٌ.
وعنه أيضاً قال : زوجت نفوس المؤمنين بالحُورِ العينِ، وقُرِنَ الكفَّار والمنافقون بالشَّياطينِ.
وقال الزجاجُ : قُرنَت النفوسُ بأعمالها.
وقيل : قرنت الأرواح بالأجساد أي : وقت ردت إليها قاله عكرمة.
وقيل غير ذلك.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴾.
الموءودة : هي البِنْتُ تدفنُ حيَّة من الوأد، وهو الثقل لأنها تثقل بالتراب والجندل.
يقال : وأد يَئِدُ، ك « وعد » « يعِد ».
وقال الزمخشري :« وأدَ يئد »، مقلوب من « آد يئود » إذا أثقل، قال الله تعالى :﴿ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] ؛ لأنه إثقال بالتراب.
قال أبو حيان : ولا يدعى ذلك؛ لأن كلاًّ منهما كامل التصرف في الماضي، والأمر، والمضارع والمصدر واسم الفاعل، واسم المفعول، وليس فيه شيء من مسوغات إدغام القلب، والذي يعلم به الأصالة من القلب أن يكون أحد النظمين فيه حكم يشهدُ له بالأصالةِ، والآخر ليس كذلك، أو أكثر استعمالاً من الآخر، وهذا على ما قرروهُ في أحكام علم التصريف.


الصفحة التالية
Icon