قوله تعالى :﴿ ياأيها المزمل ﴾، أصله « المُتزمِّلُ » فأدغمت التاء في الزاي، يقال : تزمَّل يتزمل تزملاً، فإذا أريد الإدغام : اجتلبت همزة الوصل، وبهذا الأصل قرأ أبي بن كعب.
وقرأ عكرمة :« المُزمِّل » - بتخفيف الزاي وتشديد الميم - اسم فاعل، وعلى هذا فيكون فيه وجهان :
أحدهما : أن أصله « المُزتمِل » بوزن « مفتعل » فأبدلت التاء ميماً وأدغمت، قاله أبو البقاء، وهو ضعيف.
والثاني : أنه اسم فاعل من « زمل » مشدداً، وعلى هذا، فيكون المفعول محذوفاً، أي : المزمل جسمه. وقرىء كذلك إلا أنه بفتح الميم اسم مفعول منه أي :« المُلفَّفُ، والتزمل : التلفف، يقال : تزمل زيد بكساء، أي : الفت به؛ وقال ذو الرُّمَّة :[ الطويل ]٤٩١٨ - وكَائِنْ تَخطَّت نَاقتِي مِنْ مفَازةٍ | ومِنْ نَائِمٍ عَنْ ليْلِهَا مُتزمِّلِ |
وقال امرؤ القيس :[ الطويل ]٤٩١٩ - كَأنَّ ثَبِيراً فِي أفَانينِ ودقِهِ | كَبِيرُ أنَاسٍ في بجَادٍ مُزمَّلِ |
وهو كقراءة بعضهم المتقدمة
فصل في بيان لمن الخطاب في الآية
هذا خطاب للنبي ﷺ وفيه ثلاثةُ أقوالٍ :
الأول : قال عكرمة :﴿ ياأيها المزمل ﴾ بالنبوة المتزمل بالرسالة، وعنه : يا أيها الذي زمل هذا الأمر، أي : حمله ثم فتر، وكان يقرأ :﴿ ياأيها المزمل ﴾ - بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها، على حذف المفعول، وكذلك :» المدثر «، والمعنى : المزمل نفسه والمدثر نفسه، والذي زمله غيره.
الثاني : قال ابن عباس : يا أيها المزمل بالقرآن.
الثالث : قال قتادة : يا أيها المزمل بثيابه.
قال النخعيُّ : كان متزملاً بقطيفة عائشة رضي الله عنها بمرط طوله أربعة عشر ذراعاً نصفه عليّ، وأنا نائمة ونصفه على النبي ﷺ وهو يصلي، والله ما كان خزاً ولا قزاً ولا مرعزاء ولا إبريسم ولا صوفاً، كان سداه شعراً ولحمته وبراً، ذكره الثعلبي.
قال القرطبيُّ :» وهذا القول من عائشة يدل على أنَّ السورة مدنية، فإنَّ النبي ﷺ لم يبنِ بها إلاَّ بالمدينة، والقول بأنها مكية لا يصح «.
وقال الضحاكُ : تزمل لمنامه.
وقيل : بلغه من المشركين سوء قول فيه، فاشتد عليه فتزمل، وتدثر، فنزل :﴿ ياأيها المزمل ﴾ ﴿ ياأيها المدثر ﴾.
وقيل : كان هذا في ابتداء أمر ما أوحي إليه فإنه لما سمع صوت الملك، ونظر إليه أخذته الرعدة، فأتى أهله، وقال : زمِّلوني، دثِّرُونِي.
روي معناه عن ابن عباس، قال : أول ما جاءه جبريل خافه، وظن أن به مساً من الجنِّ، فناداه، فرجل من الجبل مرتعداً وقال : زمِّلُوني، زمِّلُونِي.
وقال الكلبيُّ : إنما تزمل النبي بثيابه ليتهيأ للصلاة، وهو اختيار الفراءِ.
وقيل : إنه - ﷺ - كان نائماً بالليل متزملاً في قطيفة فنودي بما يهجر تلك الحالة، فقيل له :﴿ ياأيها المزمل ﴾ قم واشتغل بالعبودية.