إلاَّ أن الزمخشري استدرك فقال :« والتعلق في إبطاله بخط المصحف، وأن الألف التي تكتب بعد واو الجمع غير ثابتة فيه ركيك؛ لأن خط المصحف لم يراع في كثير منه حد المصطلح عليه في علم الخط على أني رأيت في الكتب المخطوطة بأيدي الأئمة المتقنين هذه الألف مرفوضة، لكونها غير ثابتة في اللفظ والمعنى جميعاً؛ لأن الواو وحدها معطية معنى الجمع، وإنما كتبت هذه الألف تفرقة بين واو الجمع وغيرها في نحو قولك :» هم لم يدعوا، وهو يدعو «، فمن لم يثبتها قال : المعنى كافٍ في التفرقة بينهما، وعن عيسى بن عمر وحمزة أنهما كانا يرتكبان ذلك، أي : يجعلان الضميرين » للمطففين «، ويقفان عند الواوين وقيفة، يبينان بها ما أرادوا ». ولم يذكر فعل الوزن أوَّلاً، بل اقتصر على الكيل، فقال :« إذا اكتالوا »، ولم يقل : إذا اتزنوا، كما قال ثانياً :« أوْ وزَنُوهُمْ ».
قال ابن الخطيب : لأن الكيل والوزن بهما البيع والشراء، فأحدهما يدل على الآخر.
وقال الزمخشري :« كأنَّ المطففين كانوا لا يؤخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الموازين، لتمكنهم من البخس في النوعين جميعاً ».
قوله :« يُخْسِرُونَ » جوابُ « إذا »، وهو يتعدَّى بالهمزة، يقال : خسر الرجل وأخسرته أنا، فمفعوله محذوف، أي : يخسرون الناس متاعهم. قال المؤرج : يخسرون أي ينقصون بلغة « قريش ».
فصل في تفسير الآية
قال الزجاج : المعنى : إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل والوزن.
أي : إذا استوفوا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن، « وإذَا كَالُوهُمْ أو وزَنُوهُمْ » أي : كالوا لهم، أو وزنوا لهم، أي : للناس، ولمَّا كان اكتيالهم من الناس اكتيالاً فيه إضرارٌ بهم، وتحاملٌ عليهم أقيمَ « على » مقام « من » للدلالة على ذلك.
وقال الكسائيُّ والفراءُ : حذف الجار وأوصل الفعل، وهذا من كلام أهل الحجاز، ومن جاورهم، يقال : وزنتك حقك، وكلتك طعامك أي : وزنت لك، وكلتُ لك، كما يقال : نصحتك، ونصحت لك، وكسيتك، وكسيت لك.
وقال الفراء : المراد اكتالوا من الناس، و « على » و « من » يتعاقبان؛ لأنه حق عليه فإذا فلت : اكتلت عليك، فكأنه قال : أخذت ما عليك، وإذا قلت : اكتلت منك فهو كقولك : استوفيت منك.
وقيل : على حذف مضاف، أي : إذا كالوا مكيلهم، أو وزنوا لهم موزونهم.
قوله :﴿ أَلا يَظُنُّ ﴾ : الظَّاهر أنَّها « ألا » التحضيضية، حضهم على ذلك، ويكون الظنُّ بمعنى : اليقين.
وقيل : هي « لا » النافية دخلت عليها همزة الاستفهام.
ومعنى الآية : ألا يستيقن أولئك الذي يفعلون ذلك بأنهم مبعوثون ليوم عظيم، وهو يوم القيامة، وفي الظن هنا قولان :
أحدهما : أنَّ المراد به : العلمُ، وعلى هذا التقدير يحتملُ أن يكون المخاطبون بهذا الخطاب من جملة المصدِّقين بالبعث، ويحتمل ألاَّ يكونوا كذلك لتمكُّنهم من الاستدلال عليه بالفعل.