الثاني : أنَّ المراد بالظن هنا : هو الظن نفسه، لا العلم، ويكون المعنى : هؤلاء المطففون هَبْ أنهم لا يجزمون بالبعث، ولكن لا أقل من الظن لوضوح أدلَّته، فإنَّ الأليق بحكمة الله - تعالى - ورحمته، ورعايته مصالح خلقه ألاَّ يهمل أمرهم بعد الموت، وأن يكون لهم نشر وحشر، وأن هذا الظَّن كافٍ في حصول الخوف.
قوله :﴿ يَوْمَ ﴾ : يجوز نصبه ب « مبعوثون ».
قال الزمخشريُّ : أو ب « يبعثون » مقدراً، أو على البدل من محل اليوم، أو بإضمار « أعني »، أو هو مرفوع المحل لإضافته لفعل وإن كان مضارعاً، كما هو رأيُ الكوفيين، ويدل على صحة هذين الوجهين، قراءة زيد بن عليٍّ :« يَوْمَ يقُومُ » بالرفع، وما حكاه أبو معاذ القارئ :« يومِ » بالجر على ما تقدَّم.

فصل في المراد بقيام الناس لرب العالمين


قيام الناس لرب العالمين إمَّا للحساب، وإمَّا قيامهم من القبور.
وقال أبُو مسلم : قيامهم له عبارة عن طاعتهم له وانقيادهم، كقوله تعالى :﴿ والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [ الانفطار : ١٩ ]، وفي الحديث :« إنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ مِقدارَ ثَلاثِمائةِ سَنَة لا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بأمْرٍ ».
وعن ابن عباس : وهو في حقِّ المؤمنين كقدر انصرافهم من الصلاة. وفي هذه الآيات مبالغات، منها أنَّ الويل إنما يذكر عند شدة البلاء، ومنها الإنكار بقوله تعالى :﴿ أَلا يَظُنُّ أولئك أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ ﴾، ومنها استعظامه - تعالى - لليومِ، ومنها تأكيده بما بعده، وما يوهم ذلك، وما يقتضيه من خضوعهم وذلتهم، وفي هذا نكتة، وهي كأن قائلاً يقول : هذا التشديد العظيم، والوعيد البليغ، كيف يكون على التطفيف مع نزارته، وزهادته، وكرم المولى وإحسانه؟.
فأشار بقوله :﴿ لِرَبِّ العالمين ﴾ إلى أنَّه مُربيهم ومسئول عن أمورهم، فلا يليق أن يهمل من أمورهم شيئاً.

فصل في الكلام على لفظ « المطفف »


قال القشيري : لفظ المطفِّف يتناول التطفيف في الوزن والكيل، وفي إظهار العيب، وإخفائه؛ وفي طلب الإنصاف والانتصاف، ويقال : من لم يرض لأخيه المسلم ما يرضاه لنفسه، فليس بمنصف، والمباشرة والصحبة من هذه المادة، والذي يرى عيب الناس، ولا يرى عيب نفسه من هذه الجملة، ومن طلب حقَّ نفسه من الناس، ولا يعطيهم حقوقهم، كما يتطلبه.


الصفحة التالية
Icon