﴿ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴾ [ محمد : ٢٤ ].
قال الزجاجُ :« رَانَ على فُلوبِهمْ » بمعنى غَطَّى على قُلوبِهم.
وقال الحسن ومجاهد : هو الذنب على الذنب حتى تحيط الذنوب بالقلب، ويغشى، فيموت القلب.
قال رسول الله ﷺ :« إيَّاكُمْ والمُحقراتِ مِنَ الذنُوبِ، فإنَّ الذنْبَ على الذَّنْبِ يُوقِدُ على صَاحبهِ [ جحيماً ] ضخمة ».
وقال ﷺ :« إنَّ المُؤْمِنَ إذَا أذْنَبَ كَانتْ نُكْتةٌ سَودَاء في قَلْبهِ، فإنْ تَابَ ونَزعَ واسْتَغفرَ صُقِلَ قَلْبهُ مِنْهَا، فإذَا زَادَ زَادتْ حتَّى تَعلُو قَلْبهُ، فَذلِكُمُ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللهُ - تعَالَى - في كِتَابِهِ :﴿ كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ ».
قوله :﴿ مَّا كَانُواْ ﴾ هو الفاعل، و « ما » : يحتمل أن تكون مصدرية، وأن تكون بمعنى :« الذي » والعائد محذوف، وأميلت ألف « رَانَ »، وفخمت، فأمالها الأخوان وأبو بكرٍ وفخَّمها الباقُون، وأدغمت لام « بل » في الراء، وأظهرتْ.
قوله تعالى « ﴿ كَلاَّ إِنَّهُمْ ﴾.
قال الزمخشريُّ :»
كلاَّ « ردع عن الكسب الرَّائن على قلوبهم.
وقال القفالُ : إنَّ الله - تعالى - حكى في سائر السور عن هذا المعتدي الأثيم، أنه كان يقول : إن كانت الآخرة حقًّا، فإن الله - تعالى - يعطيه مالاً وولداً، ثم كذَّبه الله - تعالى - بقوله :﴿ أَطَّلَعَ الغيب أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً ﴾ [ مريم : ٧٨ ].
وقال أيضاً :﴿ وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً ﴾ [ الكهف : ٣٦ ] ﴿ وَلَئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى ﴾ [ فصلت : ٥٠ ]، فلمَّا تكرَّر ذكره في القرآن، ترك الله ذكره - هاهنا - وقال تعالى :﴿ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ أي : ليس الأمر كما يقولون من أن لهم في الآخرة الحسنى، بل هم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. وقال ابن عباس أيضاً :»
كلاَّ « يريد لا يصدقون ثم أستأنف فقال :﴿ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ وقيل : قوله تعالى :» كلاَّ « تكرير، وتكون » كلاَّ « هذه المذكورة في قوله :» كلا، بل ران على قلوبهم «.
قوله :﴿ عَن رَّبِّهِمْ ﴾. متعلق بالخبر، وكذلك »
يومئذ «، والتنوين عوض عن جملة، تقديرها :» يوم إذْ يقوم الناس «؛ لأنه لم يناسب إلا تقديرها.

فصل في حجب الكفار عن رؤية ربهم


قال أكثر المفسرين : محجوبون عن رؤيته، وهذا يدل على أن المؤمنين يرون ربهم - سبحانه وتعالى - ولولا ذلك لم يكن للتخصيص فائدة.
وأيضاً فإنه - تعالى - ذكر هذا الحجاب في معرض الوعيد، والتهديد للكفار، وما يكون وعيداً وتهديداً للكفَّار لا يجوز حصوله للمؤمنين، وأجاب المعتزلة عن هذا بوجوه :
أحدها : قال الجبائي : المراد أنهم محجوبون عن رحمة ربهم أي : ممنوعون كما تحجب الأم بالإخوة من الثُّلث إلى السُّدس، ومن ذلك يقال لمن منع من الدخول : حاجب.


الصفحة التالية
Icon