وقال الضحاكُ : سدرةُ المنتهى.
وقوله تعالى :﴿ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴾ : ليس فيه تفسير عليِّين، أي : مكتوب أعمالهم كما تقدم في كتاب الفجار.
وقيل : كتب هناك ما أعد الله لهم من الكرامة.
قوله :﴿ يَشْهَدُهُ ﴾ : جملة يجوز أن تكون صفة ثانية، وأن تكون مستأنفة، والمعنى : أنَّ الملائكة الذين هم في عليين يشهدون، ويحضرون ذلك المكتوب وذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ ﴾. لمَّا عظم كتابهم عظم منزلتهم بأنَّهم في النعيم ثم بين ذلك النعيم بأمورٍ، ثلاثة : أولها : بقوله تعالى :﴿ عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ ﴾.
قال القفَّال :« الأرائك » : الأسِرَّة في الحجال، ولا تُسَمَّى أريكة فيما زعموا إلا إذا كان كذلك.
وعن الحسن - رضي الله عنه - كُنَّا لا ندري ما الأريكةُ، حتى لقينا رجلٌ من أهل « اليمن »، أخبرنا أن الأريكة عندهم ذلك. وقوله :« يَنْظُرون » قيل : إلى أنواع نعيمهم من الحُور والولدان، وأنواع الأطعمة والأشربة والملابس والمراكب وغيرها.
وقال مقاتلٌ : ينظرون إلى عدوِّهم حين يعذبون.
وقيل : إذا اشتهوا شيئاً نظروا إليه، فيحضرهم ذلك الشيء في الحال قيل : يحمل على الكل.
قال ابن الخطيب : إنهم ينظرون إلى ربهم بدليل قوله تعالى :﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النعيم ﴾.
قوله تعالى :﴿ تَعْرِفُ ﴾. العامة : على إسناد الفعل إلى المخاطب، أي : تعرف أنت يا محمد، أو كل من صح منه المعرفة.
وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق وشيبة وطلحة ويعقوب والزعفراني :« تُعْرَفُ » مبنياً للمفعول، و « نضرةُ » : بالرفع على قيامها مقام الفاعل.
وعلي بن زيد : كذلك إلا أنه بالياء أسفل؛ لأن التأنيث مجازي.
والمعنى : إذا رأيتهم عرفت أنَّهم من أهل النَّعيم مما ترى في وجوههم من النور والحسن والبياض.
وقال الحسن : النضرةُ في الوجه والسُّرور في القلب.
قوله تعالى :﴿ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ ﴾.
قال الليث : الرَّحيقُ : الخمر.
وقيل : الخمر الصافية الطيبة.
وقال مقاتل : الخمر البيضاء.
وقال ابنُ الخطيب : لعله الخمر الموصوف بقوله تعالى :﴿ لاَ فِيهَا غَوْلٌ ﴾ [ الصافات : ٤٧ ].
قوله :« مختوم »، أي : ختم ومنع أن تمسَّهُ يد إلى أن يفكّ ختم الأبرار.
قال القفال : يحتملُ أن يكون ختم عليه تكريماً له بالصيانة على ما جرت به العادة من ختم ما يكرم ويصان، وهناك خمر أخرى تجري أنهاراً، لقوله :﴿ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾ [ محمد : ١٥ ]، إلاَّ أنَّ هذا المختوم أشرف من الجاري.
وقال أبو عبيدة والمبرد والزجاج :« المختوم » : الذي له ختام أي : عاقبة.
وروى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : المختوم أشرف من الجاري الممزوج ختامه، أي : طعمه وعاقبته مسكٌ، وختم كلِّ شيء : الفراغ منه، ومنه يقال : ختمتُ القرآن، والأعمال بخواتيمها، ويؤيده قراءة علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - واختاره الكسائي، فإنه قرأ :« خاتمةُ مِسْك » أي : آخره، كما يقال : خاتمُ النبيين، ومعناه واحد.


الصفحة التالية
Icon