وقرأ أبو عمرو في رواية عبيد بن عقيل : بإشمام الكسر في الوقف خاصة، وفي الوصل خاصة بالسكون المحض.
قال أبو الفضلِ : وهذا من التغييرات التي تلحق الروي في القوافي، وفي هذا الإشمام بيان أن هذه « التاء » من علامة تأنيث الفعل للإناث، وليست مما ينقلب في الأسماء، فصار ذلك فارقاً بين الاسم والفعل، فيمن وقف على باقي الأسماء بالتاء، وذلك لغة طيّئ، وقد حمل في المصاحف بعض التاءات على ذلك.
وقال ابن عطية : قال بعض النحاة : وقرأ أبو عمرو « انشقت » يقف على القاف، كأنه يشمها شيئاً من الجر، وكذلك في أخواتها.
قال أبو حاتم : سمعت أعرابياً فصيحاً في بلاد قيس يكسر هذه التاءات.
وقال ابن خالويه :« انشقَّت » - بكسر التاء - عبيد عن أبي عمرو.
قال شهاب الدين : كأنه يريد إشمام الكسر، وأنَّه في الوقف دون الوصل؛ لأنه مطلق، وغيره مقيد، والمقيد يقضي على المطلق.
وقال أبو حيَّان : وذلك أن الفواصل تَجْرِي مَجْرَى القوافي، فكما أن هذه التاء تكسر في القوافي تكسر في الفواصل؛ ومثال كسرها في القوافي؛ قول كثير عزّة :[ الطويل ]
٥١٣٣- ومَا أنَا بالدَّاعِي لعَزَّةَ بالرَّدَى | وَلا شَامتٍ إنْ نَعْلُ عَزَّةَ زَلَّتِ |
فصل في المراد بانشقاق السماء
انشقاق السماء من علامات القيامة، وقد تقدَّم شرحه.
وعن علي - رضي الله عنه - أنَّها تنشق من المجرَّة، وقال : المجرَّة : باب السماء.
قوله :﴿ وَأَذِنَتْ ﴾. عطف على « انشقت »، وقد تقدَّم أنَّه جواب على زيادة الواو.
ومعنى « وأذنت » : أي : استمعت أمره، يقال : أذنت لك : استمعت لك، وفي الحديث :« مَا أذِنَ اللهُ لِشَيءٍ كأذنِهِ لِنَبيِّ يَتغنَّى بالقُرْآنِ ».
وأنشد أبو عبيدة والمبرد والزَّجاج قول قعنب :[ البسيط ]
٥١٣٤- صُمٌّ إذَا سَمِعُوا خَيْرَاً ذُكِرْتُ بِهِ | وإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عندهُمْ أذِنُوا |
٥١٣٥- إن يأذنُوا ريبَةً طَارُوا بِهَا فَرَحَاً | ومَا هُمُ إذِنُوا من صالحٍ دَفنُوا |
٥١٣٦- إذِنْتُ لَكُمْ لمَّا سَمِعْتُ هَرِيركُمْ.....................................
ومعنى الاستعارة - هاهنا - أنَّه لم يوجد في جِرْمِ السماء ما يمنع من تأثير قدرة الله تعالى في شقها، وتفريق أجزائها، فكأنَّها في قبول ذلك التأثير كالعبدِ الطائع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المالك أنصت، وأذعن، ولم يمتنع كقوله تعالى :﴿ قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾ [ فصلت : ١١ ]، وذلك يدل على نفوذ القدرة في الإيجاد والإبداع من غير ممانعة أصلاً. قاله ابن الخطيب.
قوله :« وحُقَّتْ ». الفاعل في الأصل هو الله تعالى، أي : حقَّ الله عليها ذلك، أي : بسمعهِ وطاعته، يقال : هو حقيقٌ بكذا ومحقوق، والمعنى : وحقَّ لها أن تفعل.