قال ﷺ :« » مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ «، قالت عائشة - رضي الله عنها - : أوَ لَيْسَ يقُولُ تعَالَى :﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ﴾ فقال :» إنَّما ذَلِكَ العرضُ، ولَكِنْ من نُوقِشَ الحسابَ عُذِّب « ».
قوله تعالى :﴿ وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ ﴾ في الجنة من الحُورِ العينِ، والآدميَّات والذريَّات إذا كانوا مؤمنين [ « مَسْرُوراً » أي : مُغْتَبِطَاً قرير العين ].
قال ابنُ الخطيب : فإن قيل : إنَّ المحاسبة تكون بين اثنين، وليس في القيامة لأحد مطالبة قبل ربِّه فيحاسبه؟.
فالجواب : إن العبد يقول : إلهي، فعلتُ الطاعة الفلانيَّة، والربُّ - سبحانه وتعالى - يقول : فعلتَ المعصيَّة الفُلانيَّة، فكان ذلك من الرب - سبحانه وتعالى - ومن العبد محاسبة، والدليل أنه - تعالى - خصَّ الكفَّار بأنه لا يكلمهم، فدل ذلك على أنه يكلم المطيعين، فتلك المكالمة محاسبة.
قوله :« مَسْرُوراً » : حال من فاعل « يَنْقَلِبُ ».
وقرأ زيد بن علي :« يُقْلَبُ » مبنياً للمفعول من « قلبه » ثلاثياً.
قوله :﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ ﴾.
قيل : نزلت في الأسودِ بن عبدِ الأسودِ. قاله ابنُ عباسٍ. وقيل : عامة.
وقال الكلبيُّ : لأن يمينه مغلولة إلى عنقه، ويجعل اليسرى ممدودة وراء ظهره.
وقيل : يحوَّلُ وجهه إلى قفاه، فيقرأ كتابه كذلك.
وقيل : يُؤتَى كتابه بشماله من ورائه؛ لأنه إذا حاول أخذه بيمينه كالمؤمنين مُنِعَ من ذلك، وأوتي كتابه بشماله.
فإن قيل : أليس أنه تعالى قال في سورة الحاقة :﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ ﴾ [ الحاقة : ٢٥ ]، فكيف قال هنا :﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ ﴾ ؟.
فالجواب : أنَّه يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره.
قوله :﴿ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً ﴾، أي : ينادي بالويل، الهلاك إذا قرأ كتابه يقول : يا ويلاه يا ثُبُورَاهُ، كقوله تعالى :﴿ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ﴾ [ الفرقان : ١٣ ].
قوله :﴿ ويصلى سَعِيراً ﴾، قرأ أبو عمرو وحمزة وعاصم : بفتح الياء وسكون الصاد وتخفيف اللام.
والباقون : بضم الياء وفتح اللام والتثقيل، وقد تقدم تخريج القراءتين في سورة النساء عند قوله تعالى :﴿ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ [ النساء : ١٠ ].
وقرأ أبو الأشهب ونافع وعاصمٌ وأبو عمرو في رواية عنهم :« يُصْلَى » بضم الياء وسكون الصاد من أصلاه.
قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً ﴾.
قال القفال : مُنعَّماً مستريحاً من التعب بأداء العبادات، واحتمال مشقة الفرائض من الصلاة والجهاد، مقدماً على المعاصي، آمناً من الحساب والعذاب والعقاب، لا يخاف الله - تعالى - ولا يرجوه، فأبدله الله بذلك السرور غماً باقياً لا ينقطع.
وقيل : إن قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً ﴾، كقوله تعالى :