قال امرؤ القيس :
٥١٤٩- ديمة هطلاً... والطبق من الجراد أي الجماعة ].
قوله :« عَنْ طَبقٍ » : في « عن » هذه وجهان :
أحدهما : أنها في محل نصب على الحال من فاعل « تركبن ».
والثاني : أنَّها صفة ل « طبقاً ».
وقال الزمخشري : فإن قلت : ما محل « عن طبق »؟ قلت : النصب على أنه صفة ل « طبقاً »، أي : طبقاً مجاوزاً لطبقٍ، [ أو حال من الضمير في « لتركبن »، أي : لتركبن طبقاً مجاوزين لطبقٍ، أو مجاوراً ]، أو مجاورة على حسب القراءة.
وقال أبو البقاء : و « عن » بمعنى :« بعد »؛ قال :[ الكامل ]
٥١٥٠- مَا زِلْتُ أقْطَعُ مُنْهَلاً عَنْ مَنْهَلٍ... حَتَّى أنَخْتُ بِبَابِ عَبْدِ الوَاحدِ
لأن الإنسان إذا صار من شيء إلى شيء، يكون الثاني بعد الأول فصلحت « بعد » و « عن » للمجاوزة، والصحيح أنها على بابها، وهي صفة، أي : طبقاً حاصلاً عن طبق، أي : حالاً عن حالٍ. وقيل : جيلاً عن جيل. انتهى.
يعني الخلاف المتقدم في الطبق ما المراد به، هل هو الحال، أو الجيل، أو الأمة كما تقدم نقله؟ وحينئذ فلا نعرب طبقاً مفعولاً به، بل حالاً، كما تقدم، لكنه لم يذكر في طبق غير المفعول به، وفيه نظر، لما تقدم من استحالته، يعني إذ يصير التقدير : لتركبن طبقة أمَّةٍ عن أمَّةٍ، فتكون الأمة مركوبة لهم، وإن كان يصح على تأويل بعيدٍ جداً وهو حذف مضاف، أي : لتركبن سنن، أو طريقة طبق بعد طبق.

فصل في حدوث العالم


هذا أدلُّ على « حدوث العالم » وإثبات الصانع.
قالت : الحكماء : من كان اليوم على حاله، فليعلم أن تدبيره إلى سواه.
وقيل لأبي بكر الوراق : ما الدليل على أنَّ لهذا العالم صانعاً؟ فقال : تحويل الحالات، وعجز القوَّة، وضعف الأركان وقهر النية ونسخ العزيمة.
قوله :﴿ فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾. يعني : أي شيء يمنعهم من الإيمان بعد ما وضَّحت لهم الآيات والدِّلالات، وهذا استفهام إنكارٍ.
وقيل : تعجب أي : اعجبوا منهم في ترك الإيمان مع هذه الآيات.
وقوله تعالى :﴿ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ حال.
قال ابنُ الخطيب : فما لهم لا يؤمنون بالبعث والقيامة، وهو استفهام إنكارٍ، وإنَّما يحسن عند ظهور الحُجَّة، وذلك أنه - تعالى - أقسم بتغييرات واقعة في الأفلاك والعناصر، فإن الشفق حالة مخالفة لما قبلها، وهو ضوء النهار، ولما بعدها وهو ظلمة الليل، وكذا قوله :﴿ والليل وَمَا وَسَقَ ﴾ فإنه يدل على حدوث ظلمةٍ بعد نورٍ، وعلى تغييرات أحوال الحيوانات من اليقظة إلى النَّومِ، وكذا قوله تعالى :﴿ والقمر إِذَا اتسق ﴾ فإنه يدل على حصول كمال القمر بعد نقصانه ثم إنه أقسم - تعالى - بهذه الأحوال المتغيرة على تغيير أحوال الخلق، وهذا يدل قطعاً على صحة القول بالبعث، لأن القادر على تغيير الأحوال العلوية والسفلية من حال إلى حال بحسب المصالح، لا بد وان يكون قادراً، ومن كان كذلك لا محالة قادر على البعث والقيامة، فلما كانت هذه الآية كالدلالة العقلية القاطعة بصحة البعث، لا جرم قال تعالى على سبيل الاستبعاد :﴿ فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون ﴾.


الصفحة التالية
Icon