فصل في الكلام على الآية
قال القاضي :« لا يجوز أن يقول الحكيم لمن كان عاجزاً عن الإيمان :﴿ فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون ﴾، وهذا يدل على كونهم قادرين، وهذا يقتضي أن تكون الاستطاعة قبل الفعل، وأن يكونوا موجدين لأفعالهم، وأن لا يكون تعالى خالقاً للكفر فيهم فهذه الآية من المحكمات التي لا احتمال فيها ألبتة ». وجوابه تقدم.
قوله :﴿ وَإِذَا قُرِىءَ ﴾ شرط، جوابه ﴿ لاَ يَسْجُدُونَ ﴾، وهذه الجملة الشرطية في محل نصب على الحال نسفاً على ما قبلها، أي : فما لهم إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون، أي : لا يصلون قاله ابن عباس : وعطاء، والكلبي، ومقاتل [ وقال أبو مسلم : المراد الخضوع والاستكانة.
وقيل : المراد نفس السجود لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله ﷺ سجد فيها.
وقال مالك : إنها ليست من عزائم السجود؛ لأن المعنى لا يدعون ولا يطيعون ].
قوله تعالى :﴿ بَلِ الذين كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ ﴾. العامّة : على ضمِّ الياء من « يكذبون » وفتح الكاف وتشديد الذَّال.
والضحاكُ وابنُ أبي عبلة : بالفتح والإسكان والتخفيف [ وتقدمت هاتان القراءتان أول البقرة ].
والمعنى : يُكذِّبُون بمحمد ﷺ وما جاء به.
قال مقاتل : نزلت في بني عمرو بن عمير، وكانوا أربعة، فأسلم اثنان منهم.
وقيل : هو في جميع الكفار.
قوله :﴿ والله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ ﴾. هذه هي قراءة العامة، من أوعى يُوعِي، أي : بما يضمرون في أنفسهم من التكذيب، رواه الضحاك عن ابن عباسٍ.
وقال مجاهدٌ : يكتمون من أفعالهم.
وقال ابن زيد : يجمعون من الأعمال الصالحة، مأخوذ من الوعاء الذي يجمع فيه، يقال : وعيت الزَّاد والمتاع : إذا جعلته في الوعاء؛ قال الشاعر :[ البسيط ]
٥١٥١- ألخَيْرُ أبْقَى وإنْ طَال الزَّمانُ بِهِ | والشَّرُّ أخْبَثُ ما أوعَيْتَ مِنْ زَادِ |
قوله تعالى :﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾، أي : مُؤلمٍ في جهنَّم على تكذيبهم وكفرهم، أي : جعل ذلك بمنزلة البشارة.
قوله :﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ ﴾ : يجوز أن يكون متصلاً، وأن يكون منقطعاً، هذا إذا كانت الجملة من قوله :« لَهُمْ أجْرٌ » : مستأنفة أو حالية، أمَّا إذا كان الموصول مبتدأ والجملة خبره، فالاستثناء ليس من قبيل استثناء المفردات، ويكون من قسم المنقطعِ، أي : لكن الذين آمنوا لهم كيت وكيت.