وفي رواية : أنَّ الدابة التي حبست الناس كانت أسداً، وأن الغلام دفن، قيل : إنه خرج في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن النار ارتفعت من الأخدود، فصارت فوق الملك وأصحابه أربعين ذراعاً فأحرقتهم.
وقال الضحاكُ : هم قوم من النصارى باليمن قبل مبعث رسول الله ﷺ بأربعين سنة، أخذهم يوسفُ بن شراحيل بن تبع الحميري، وكانوا نيِّفاً وثمانين رجلاً، وحفر لهم أخدوداً، وأحرقهم فيه. حكاه الماورديُّ. وروي غير ذلك.
قال مقاتلٌ : أصحاب الأخدود ثلاثة : واحدٌ بنجران، والآخر : بالشَّام، والآخر : بفارس، أما الذي بالشام فأنطنيانوس الرومي، وأما الذي بفارس فبختنصّر، والذي بأرض العرب يوسف بن ذي نواس، فلم ينزل الله في الذي بفارس والشام قرآناً، وأنزل قرآناً في الذي كان بنجران.
قال الكلبي : هم نصارى نجران، أخذوا بها قوماً مؤمنين، فخذوا لهم سبعة أخاديد، كل أخدود أربعون ذراعاً، وعرضه اثنا عشر ذراعاً، ثم طرحوا فيه النفط، والحطب، ثم عرضوهم عليها فمن أبى قذفوه فيها.
فصل في المراد بأصحاب الأخدود
قال ابن الخطيب : يمكن أن يكون المراد بأصحاب الأخدود : القاتلين، ويمكن أن يكون المراد بهم : المقتولين، والمشهور أنَّ المقتولين هم : المؤمنون.
وروي أن المقتولين هم الجبابرة، روي أنهم لما ألقوا المؤمنين في النار عادت النار على الكفَّار فأحرقتهم، ونجَّى الله - تعالى - المؤمنين منها سالمين، وإلى هذا القول ذهب الربيع بن أنسٍ، والواحدي، وتأولوا قوله تعالى :﴿ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ﴾ [ البروج : ١٠ ] أي : في الآخرة، ﴿ وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق ﴾ [ البروج : ١٠ ] في الدنيا، فإن فسَّرنا أصحاب الأخدود بالقاتلين، فيكون قوله :﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود ﴾ دعاءٌ عليهم أي : لعن أصحاب الأخدود كقوله تعالى :﴿ قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ ﴾ [ عبس : ١٧ ]، ﴿ قُتِلَ الخراصون ﴾ [ الذاريات : ١٠ ].
أو يكون المعنى : قتلوا بالنار كما أرادوا قتل المؤمنين بالنار عادت النار عليهم فقتلتهم.
وإن فسَّرنا أصحاب الأخدود بالمقتولين كان المعنى أن المؤمنين قتلوا بالإحراق بالنار، فيكون ذلك خبراً لا دعاء.
فصل في المقصود من هذه الآية
المقصود من هذ الآية : تثبيت قلوب المؤمنين بإخبارهم بما كان يلقاه من قبلهم من الشدائد، وذكر لهم النبي ﷺ قصة الغلام ليصبروا على ما يلقون من أذى الكفار، ليتأسَّوا بهذا الغلام في صده على الأذى والصلب وبذله نفسه في إظهار دعوته، ودخول الناس في الدين مع صغر سنه، وكذلك صبر الراهب على التمسُّك بالحق حتى نشر بالمنشار، وكذلك أكثر الناس لما آمنوا بالله تعالى.