قوله :﴿ النار ﴾. العامة : على جرها، وفيها أوجه :
أحدها : أنه بدل من « الأخدود » بدل اشتمال؛ لأن « الأخدود » مشتمل عليها، وحينئذ فلا بد من الضمير.
فقال البصريون : مقدرٌ، تقديره : النار.
وقال الكوفيون :« أل » قائمةٌ مقام الضمير، تقديره : ناره، ثم حذف الضمير، وعوِّض عنه « أل » [ وتقدم البحث معه في ذلك ].
الثاني : أنَّه بدل من كل، ولا بد حينئذ من حذف مضاف، تقديره : أخدود النار.
الثالث : أن التقدير : ذي النَّار؛ لأنَّ الأخدود هو الشق في الأرض، حكاه أبو البقاء.
وهذا يفهم أنَّ النَّار خفض بالإضافة لتلك الصفة المحذوفة، فما حذف المضاف قام المضاف إليه مقامه في الإعراب، واتفق أن المحذوف كان مجروراً، وقوله : إن الأخدود هو الشق، تعليل بصحة كونه صاحب نار.
الرابع : أن النار خفض على الجوار، نقله مكيٌّ عن الكوفيين.
وهذا يقتضي أن النار كانت مستحقة لغير الجر، فعدل عنه إلى الجر للجوار، والذي يقتضي الحال أنه عدل عن الرفع، ويدل على ذلك أنه قد قرئ في الشاذ :« النَّارُ » رفعاً، والرفع على أنه خبر ابتداء مضمر، تقديره : هي النار وقيل : بل هي مرفوعة على الفاعلية تقديره قتلهم : أي : أحرقتهم، والمراد حينئذ بأصحاب الأخدود : المؤمنون.
وقرأ العامة :« الوَقُودِ » بفتح الواو، والحسنُ، وأبو رجاء، وأبو حيوة، وعيسى : بضمها، وتقدمت القراءتان في أول « البقرة ».
قوله تعالى :﴿ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ﴾. العامل في « إذ » إما :« قُتِلَ أصحاب »، أي : قتلوا في هذا الوقت.
وقيل : اذكر، مقدراً، فيكون مفعولاً به، ومعنى قعودهم عليها أي : على ما يقرب منها كحافتها؛ ومنه قول الأعشى :[ الطويل ]
٥١٥٤- تُشَبُّ لِمقْرُورَيْنِ يَصْطلِيانِهَا | وبَاتَ على النَّارِ النَّدَى والمُحلقُ |
قوله :﴿ وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بالمؤمنين شُهُودٌ ﴾. أي : حضور، يعني : الكفَّار كانوا يعرضون الكفر على المؤمنين، فمن أبي ألقوهُ في النار.
وقيل :« على » بمعنى :« مع » أي : وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين شهود.
قال ابن الخطيب : و « على » بمعنى :« عند » كقوله تعالى :﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ ﴾ [ الشعراء : ١٤ ] أي : عندي.
[ وقوله :« شهودٌ » إما حضور قاسية قلوبهم لا يرقون على المؤمنين، أو هم مجدون في ذلك لا يخطر لهم أنه حق.