وهذا هو الذي جعله أبو البقاء أشبه من جعله بدلاً من « اللَّيْلِ » كما تقدم.
إلا أن أبا حيان اعترض هذا، فقال :« وإذا كان » نِصفَهُ « بدلاً من » إلاَّ قليلاً «، فالضميرُ في » نصفهُ « إما أن يعود على المبدل منه، أو على المستثنى منه، وهو » الليْل « لا جائزٍ أن يعود على المبدل منه؛ لأنه يصير استثناء مجهول من مجهول، إذ التقدير : إلا قليلاً نصف القليل، وهذا لا يصح له معنى ألبتَّة، وإن عاد الضمير إلى » اللَّيْلِ « فلا فائدة في الاستثناء من » الليْلِ «، إذ كان يكون أخصر، وأفصح، وأبعد عن الإلباس : قم الليل نصفه، وقد أبطلنا قول من قال :» إلاَّ قَليلاً « استثناء من البدل، وهو » نِصْفَهُ « وأنَّ التقدير : قم الليل نصفه إلا قليلاً منه، أي من النصف، وأيضاً ففي دعوى أن » نِصفَهُ « بدل من » إلاَّ قَلِيلاً «، والضمير في » نِصْفَهُ « عائد على » الليْلِ «، إطلاق القليل على النصف، ويلزم أيضاً أن يصير التقدير : إلا نصفه فلا تقمه، أو انقص من النصف الذي لا تقومه، وهذا معنى لا يصلح، وليس المراد من الآية قطعاً ».
قال شهاب الدين : يقول بجواز عوده على كل منهما، ولا يلزم محذور، أما ما ذكره من أنه يكون استثناء مجهول من مجهول فممنوع، بل هو استثناء معلوم من معلوم، لأنا بينا أن القليل قدر معين وهو الثلث، والليل ليس بمجهول، وأيضاً فاستثناء المبهم قد ورد، قال الله تعالى :﴿ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ﴾ [ النساء : ٦٦ ]، وقال تعالى :﴿ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٤٩ ]، وكان حقه أن يقول : لأنه بدل مجهول من مجهول، وأما ما ذكره من أنه « أخصر منه، وأوضح » كيت وكيت، أما الأخصر، فمسلم وأما أنه يلبس، فممنوع، وإنما عدل عن اللفظ الذي ذكره لأنه أبلغ، وبهذا الوجه استدل من قال : يجوز استثناء النصفِ، والأكثر، [ ووجه الدلالة على الأول أنه جعل قليلاً مستثنى من الليل ثم فسَّر ذلك القليل بالنصف، فكأنه قيل قم الليل إلا نصفه ] ووجه الدلالة على الثاني : أنه عطف « أوْ زِدْ عليْهِ » على « انْقُصْ مِنْهُ »، فيكون قد استثنى الزائد على النصف، لأن الضمير في « مِنْهُ » وفي « عَليْهِ » عائد على النصف وهو استدلال ضعيف لأن الكثرة إنَّما جاءت بالعطف، وهو نظير أن يقول : له عندي عشرةٌ إلا خمسة درهماً درهماً، فالزيادة على النصف بطريق العطف، لا بطريق أن الاستثناء أخرج الأكبر بنفسه.
الثالث : إن « نِصفَهُ » بدل من « الليل » [ أيضاً كما تقدَّم في الوجه الأول، إلا أن الضمير في « مِنْهُ » و « عَليْهِ » عائد على الأقل من النصف، ] وإليه ذهب الزمشخريُّ، فإنه قال :« وإن شئت قلت : لما كان معنى ﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً نِّصْفَهُ ﴾ إذا أبدلت النصف من الليل يكون المعنى : قم أقل من نصف الليل، فيرجع الضمير في » مِنْهُ « و » عَليْهِ «، إلى الأقل من النصف، فكأنه قيل : قم أقل من نصف الليل، أو قم أنقص من ذلك الأقل، أو أزيد منه قليلاً، فيكون التخيير فيما وراء النصف بينه وبين الثلث ».