قوله :﴿ إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات ﴾ : لما ذكر قصة أصحاب الأخدود، أتبعها بما يتفرع من أحكام الثواب والعقاب، فقال تعالى :﴿ إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات ﴾ أي : حرقوهم بالنار، والعرب يقولون : فتن فلان الدرهم والدينار إذا أدخله الكور لينظر جودته، ودينار مفتون، ويسمى الصائغ : فتّان، وكذلك الشيطان، وورق فتين، أي : فضة محرقة، ويقال للحرة : فتين وهي الأرض التي تركبها حجارة سوداء، كأنما أحرقت حجارتها بالنار لسوادها.
وقال ابن الخطيب : يحتمل أن يكون المراد بالذين فتنوا : كل من فعل ذلك؛ لأن اللفظ والحكم عام.
وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ ﴾ أي : من قبيح صنيعهم، وهذا يدل على أنهم لو تابوا لخرجوا من هذا الوعيد، وذلك يدلّ على القطع بأن الله يقبل التوبة، فدلَّ على أن توبة القاتل عمداً مقبولة.
قوله :﴿ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ﴾. هو خبر « إنَّ الذينَ » دخلت الفاء لما تضمنه المبتدأ من معنى الشرط، ولا يضر نسخه ب « إن » خرفاً للأخفش.
وارتفاع « عذاب » يجوز على الفاعلية بالجار قبله لوقوعه خبراً، وهو الأحسن، وأن يرتفع بالابتداء، والمعنى : لهم عذاب جهنَّم لكفرهم.
وقيل : ولهم عذاب الحريق أي : ولهم في الآخرة عذابُ الحريق، والحريق : اسم من أسماء جهنم كالسعير، والنَّار دركات وأنواع، ولها أسماء، وكانوا يعذبون بالزَّمهرير في جهنم، ثم يعذبون بعذاب الحريق.
والأول : عذاب ببردها.
والثاني : عذاب بحرِّها.
قوله :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾. أي : هؤلاء الذين آمنوا بالله، أي : صدقوا به وبرسوله ﴿ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جَنَّاتٌ ﴾ أي : بساتين.
﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ لما ذكر تعالى وعيد المجرمين، ذكر وعد المؤمنين، ﴿ ذَلِكَ الفوز الكبير ﴾ أي : العظيم الذي لا فوز يشبهه، وقال :« ذلِكَ الفوزُ » ولم يقل : تلك؛ لأن ذلك إشارة إلى إخبار الله تعالى بحضور الجنات، وتلك إشارة إلى الجنَّة الواحدة، وإخبار الله - تعالى - يدل على كونه راضياً. والفوز الكبير : هو رضا الله تعالى، لا دخول الجنة.
قوله :﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ ؛ أي : أخذه الجبابرة والظلمة، كقوله تعالى :﴿ وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [ هود : ١٠٢ ].
وقال المبرد :﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ ﴾ جواب القسم وقد تقدم ذلك.
والبطش : هو الأخذ بعنف، فإذا وصف بالشدة، فقد تضاعف.
قوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ ﴾، يعني : الخلق عند أكثر العلماء يخلقهم ابتداء، ثم يعيدهم عند البعث، وروى عكرمةُ، قال : عجب الكفَّار من إحيائه تعالى الأموات.
وقال ابن عباس - رضي الله عنه - يبدئ لهم عذاب الحريق في الدنيا، ثم يعيده عليهم في الآخرة، وهذا اختيار الطبري.
قوله :﴿ وَهُوَ الغفور الودود ﴾ :« الغَفُور » : أي : الستور لعباده المؤمنين، والودود : مبالغة في الوداد.


الصفحة التالية
Icon