﴿ فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم ﴾ [ الواقعة : ٧٤ ]، ويكون المعنى : سبح بذكر أسمائه.
فصل في تفسير الآية
روى أبو صالحٍ عن ابن عباس - رضي الله عنه - : صلِّ بأمر ربك الأعلى قال : وهو أن يقول :« سُبحانَ ربيّ الأعْلَى » وروي عن عليّ - رضي الله عنه - وابن عباسٍ، وابن عمر وابن الزبيرِ، وأبي موسى، وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة، قالوا :« سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى » وامتثالاً لأمره في ابتدائها، فيختار الاقتداء بهم في قراءتهم، لا أن سبحان ربيّ الأعلى من القرآن، كما قاله بعض أهل الزَّيْغ.
وقيل : إنَّها في قراءة أبيّ :« سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى ».
وروى ابن الأنباري بإسناده إلى عيسى بن عمر عن أبيهِ، قال : قرأ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الصلاة :« سَبِّح اسْمَ رَبِّك الأعْلَى »، ثم قال : سبحان ربي الأعلى، فلما انقضت الصلاة، قيل له : يا أمير المؤمنين، أتزيد هذا في القرآن؟ قال : ما هو؟ قالوا : سبحان ربي الأعلى، قال : لا، إنما أمرنا بشيء فقلته.
وعن عقبى بن عامرٍ الجهنيِّ، قال :« لما نزلت ﴿ سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى ﴾ قال رسول الله ﷺ :» اجْعَلُوهَا في سُجودِكُمْ «.
قال القرطبيُّ :» هذا كله يدل على أن الاسم هو المسمى؛ لأنهم لم يقولوا : سبحان اسم ربي الأعلى «.
وقيل : معناه : ارفع صوتك بذكر ربك؛ قال جرير :[ الكامل ]
٥٢٧٦- قَبَحَ الإلهُ وجُوهَ تَغْلبَ كُلَّمَا | سَبحَ الحَجيجُ وكبَّرُوا تَكْبِيرَا |
قوله :﴿ الذي خَلَقَ فسوى ﴾.
قال ابن الخطيب : يحتمل أن يريد النَّاس خاصة، ويحتمل أن يريد الحيوان، ويحتمل أن يريد كل شيء خلقه الله تعالى، فمن حمله على الإنسان ذكر للتسوية وجوهاً :
أحدها : اعتدال قامته، وحسن خلقته على ما قال تعالى :﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [ التين : ٤ ] وأثنى على نفسه بسبب خلقه إياه بقوله تعالى :﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ].
وثانيها : أن كل حيوان مستعد لنوعٍ واحدٍ من الأعمال فقط، وأما الإنسان، فإنه خلقه بحيثُ يمكنه أن يأتي بجميع الأعمال بواسطة الآلات.