وقيل : في عثمان بن عفان قال الماوردي : وقد يذكره من يرجوه إلا أنَّ تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الراجي؛ فلذلك علقها بالخشية والرجاء قيل المعنى : عَمِّمْ أنْتَ التذكير والوعظ وإن كان الوعظ إنما ينفع من يخشى، ولكن يحصل لك ثواب الدعاء. حكاه القشيري، ولذلك علقها بالخشية دون الرجاء، وإن تعلَّقت بالخشية والرجاء.
فإن قيل : التذكير إنما يكون بشيء قد علم، وهؤلاء لم يزالوا كفاراً معاندين؟.
فالجواب : أن ذلك لظهوره وقوة دليله، كأنه معلوم، لكنه يزول بسبب التقليد والعناد، فلذلك سمي بالتذكير، والسين في قوله :« سيذكر » يحتمل أن تكون بمعنى :« سوف »، و « سوف » من الله تعالى واجب، كقوله تعالى :﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى ﴾ [ الأعلى : ٦ ]، ويحتمل أن يكون المعنى : أن من خشي، فإنه يتذكر وإن كان بعد حين بما يستعمله من التذكير والنَّظر.
قوله :﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا ﴾ أي : الذِّكرى، يبعد عنها الأشقى، أي : الشقي في علم الله تعالى، لمَّّا بيَّن من ينتفع بالذكرى بيَّن بعده من لا ينتفع بها وهو الكافر الأشقى.
قيل : نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة.
﴿ الذى يَصْلَى النار الكبرى ﴾ أي : العظمى، وهي السفلى من طباق النَّار، قاله الفراء.
وعن الحسن :« الكُبْرَى » : نَارُ جهنَّم، والصُّغرى : نارُ الدُّنْيَا.
وقيل : في الاخرة نيران ودركات متفاضلة، كما في الدنيا ذُنُوبٌ ومعاصي متفاضلة، فكما أنَّ الكافر أشقى العصاة، فكذلك يصلى أعظم النيران.
فإن قيل : لفظ الأشقى لا يستدعي وجود الشقي فكيف حال هذا القسم؟.
فالجواب ان لفظ « الأشقى » لا يستدعي وجود الشقي إذ قد يرد هذا اللفظ من غير مشاركة، كقوله :﴿ أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ﴾ [ الفرقان : ٢٤ ]، « ويتَجنَّبُهَا الأشْقَى »، كقوله :﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [ الروم : ٢٧ ].
وقال ابن الخطيب : الفرق ثلاث : العارف، والمتوقف، والمعاند، فالسعيد : هوالعارف، والمتوقف له بعض الشقاء، والأشقى : هو المعاند.
قوله :﴿ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا ﴾ ؛ لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة تنفعه، كقوله تعالى :﴿ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا ﴾ [ فاطر : ٣٦ ].
فإن قيل : هذه الآية تقتضي أن ثمَّة حالة غير الحياة والموت، وذلك غير معقول؟.
فالجواب : قال بعضهم : هذا كقول العرب للمبتلى بالبلاء الشديد : لا هو حي، ولا هو ميت.
وقيل : إن نفس أحدهم في النار تمرُّ في حلقه، فلا تخرج للموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم، فيحيى.
وقيل : حياتهم كحياة المذبوح وحركته قبل مفارقة الروح، فلا هو حي؛ لأن الروح لم تفارقه بعد، ولا هو ميت؛ لأن الميت هو الذي تفارق روحه جسده. و « ثمّ » للتراخي بين الرتب في الشدة.
قوله :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى ﴾ أي : صادف البقاء في الجنة، أي : من تطهَّر من الشِّركِ بالإيمان قاله ابن عباسٍ وعطاءٌ وعكرمةُ.


الصفحة التالية
Icon