الحديث.
وروى سعيد عن قتادة :« عاملةٌ ناصبةٌ » قال : تكبرت في الدنيا عن طاعة الله - تعالى -، فأعملها الله وأنصبها في النار، بجر السلاسل الثِّقال، وحمل الأغلال، والوقوف حفاة عراة في العرصات في يوم كان مقداره خمسين ألف سنةٍ.
قال الحسن وسعيد بن جبير : لم تعمل لله في الدنيا ولم تنصب له، فأعملها وأنصبها في جهنم.
وقرأ ابن كثير في رواية، وابن محيصن وعيسى وحميد :« نَاصِبةٌ » بالنصب على الحال.
وقيل : على الذَّم.
والباقون : بالرفع، على الصفة، أو إضمار مبتدأ فيوقف على « خاشعة ».
ومن جعل المعنى : في الآخرة جاز أن يكون خبراً بعد خبر عن « وجوه »، فلا يوقف على « خاشعة » [ وقيل : عاملة ناصبة أي : عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة، وعلى هذا يحمل وجوه يومئذ عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة خاشعة ].
وروى الحسن، قال : لما قدم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - « الشام »، أتاه راهب، شيخ كبير عليه سواد، فلما رآه عمر - رضي الله عنه بكى فقيل : يا أمير المؤمنين ما يبكيك؟ قال : هذا المسكين طلب أمراً فلم يصبه ورجا رجاءً فأخطأه وقرأ قوله تعالى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴾.
قوله :﴿ تصلى نَاراً حَامِيَةً ﴾ : هذا هو الخبر.
قرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب - رضي الله عنهم - بضم التاء على ما يسم فاعله.
والباقون : بالفتح، على تسمية الفاعل، [ والضمير على ] كلتا القراءتين للوجوه.
وقرأ أبو رجاء : بضم التاء، وفتح الصَّاد، وتشديد اللام، وقد تقدم معنى ذلك كله في سورتي :« الانشقاق والنساء ».
فصل في معنى الآية
والمعنى : يصيبها صلاؤها وحرُّها « حامية » أي شديدة الحرِّ، أي قد أوقدت وأُحميت مدةً طويلة، ومنه : حَمِيَ النهار - بالكسر - وحَمِيَ التنور حمياً فيهما، أي : اشتد حره، وحكى الكسائي : اشتد حمى الشمس وحموها بمعنى.
قال ﷺ :« إنَّ اللهَ أوْقدهَا الفَ سنةٍ حتَّى احمرَّت، ثُمَّ أوْقدَ عليْهَا ألفَ سنةٍ حتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أوقدَ عَليْهَا حتَّى اسْودَّتْ، فهي سَوداءُ مُظْلِمَةٌ ».
قال الماوردي : فإن قيل : فما معنى وصفها بالحَمْي، وهي لا تكون إلا حامية، وهو أقل أحوالها، فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة؟.
قيل : قد اختلف في المراد بالحامية هاهنا.
قيل : المراد : أنها دائمة [ الحمي ]، وليست كنارِ الدنيا التي ينقطع حميها بانطفائها.
الثاني : أن المراد بالحامية أنَّها حمى من ارتكاب المحظورات، وانتهاك المحارم، لقول النبي ﷺ :« إنَّ لكُلِّ مَلكٍ حِمىً، وإنَّ حِمَى اللهِ في أرْضهِ محارمهُ، ومن يرتع حولَ الحِمَى يُوشِك أن يقعَ فِيهِ ».
الثالث : أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها، وترام مماستها، كما يحمي الأسد عرينه؛ كقول الشاعر :[ البسيط ]