٥١٨١- تَعْدُو الذِّئَابُ على مَنْ لا كِلاب لَهُ وتتَّقِي صَوْلةَ المُستأسدِ الحَامِي
الرابع : وقيل : المراد أنَّها حامية حمي غيظ وغضب مبالغة في شد الانتقام، كقوله تعالى ﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ ﴾ [ الملك : ٨ ].
قوله :﴿ تسقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ﴾. أي : حارة التي انتهى حرُّها، كقوله تعالى :﴿ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ﴾ [ الرحمن : ٤٤ ]، و « آنِيَة » : صفة ل « عين »، وأمالها هشام، لأن الألف غير منقلبة من غيرها، بل هي أصل بنفسها، وهذا بخلاف « آنِيَة » في سورة « الإنسان »، فإن الألف هناك بدل من همزة، إذ هو جمع :« إناء » فوزنها :« فَاعِلة »، وهناك « أفعلة »، فاتحد اللفظ واختلف التصريف، وهذا من محاسن علم التصريف.
قال القرطبيُّ :« الآني : الذي قد انتهى حرُّه، من الإيناء بمعنى :» التأخير «، يقال : أنَّاه يؤنيه إيناءً، أي : أخره وحبسه وأبطأه، نظيره قوله تعالى :﴿ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ﴾ [ الرحمن : ٤٤ ]، رُوِيَ أنه لو وقعت [ نقطة ] منها على جبال الدنيا لذابت ».
قوله :﴿ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ ﴾. لمَّا ذكر شرابهم ذكر طعامهم.
والضَّريعُ : شجر في النار، ذو شوك لاصق بالأرض، تسميه قريش : الشِّبرق إذا كان رطباً، وإذا يبسَ فهو الضريع، لا تقربه دابة، ولا بهيمة، ولا ترعاه، وهو سم قاتل. قاله عكرمة، ومجاهد وأكثر المفسرين.
وروى الضحاكُ عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهم - قال : شيء يرمي به البحر يسمى الضريع من أقوات الأنعام لا الناس، وإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع، وهلكت هزلاً.
والصحيح الأول؛ قال أبو ذؤيبٍ :[ الطويل ]
٥١٨٢- رَعَى الشِّبرقَ الرَّيانَ حتَّى إذا ذَوَى رَعَا ضَرِيعاً بَانَ مِنْهُ النَّحَائِصُ
وقال الهذلي يذكر إبلاً وسوء مرعاها :[ الكامل ]
٥١٨٣- وَحُبِسْنَ في هَزْمِ الضَّريعِ فكُلُّهَا حَدْباءُ دَاميةُ اليديْنِ حرُودُ
وقال الخليل : الضريع : نبات منتن الريح، يرمي به البحر.
وقال أيضاً : ويقال للجلدة التي على العظم تحت اللحم، هي الضريع، فكأنه تعالى وصف بالقلة، فلا جرم لا يسمن ولا يغني من جوع.
وقيل : هو الزقوم.
وقيل : يابس العرفج إذا تحطم.
وقيل : نبت يشبه العوسج.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : هو شجر من نارٍ، ولو كانت الدنيا لأحرقت الأرض، وما عليها.
وقال سعيدُ بن جبيرٍ، وعكرمةُ : هي حجارة من نار.
وقال القرطبيُّ : والأظهر أنه شجر ذو شوك حسب ما هو في الدنيا.
وعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - عن النبي ﷺ قال :« الضريع شيء يكون في النَّار : يشبهُ الشّوْك، أشدُّ مرارة من الصَّبْرِ، وأنْتَنُ من الجِيفةِ، وأحرُّ منَ النَّارِ سماهُ اللهُ ضَريْعاً ».
قال القتيبيُّ : ويجوز أن يكون الضريع، وشجرة الزقوم : نبتين من النار، أو من جوهر لا تأكله النَّار، وكذلك سلاسل النار، وأغلالها وحياتها وعقاربها ولو كانت على ما نعلم لما بقيت على النار وإنما دلَّنا الله على الغائب عند الحاضر عندنا، فالأسماء متفقة الدلالة والمعاني مختلفة، وكذلك ما في الجنة من شجرها وفرشها.


الصفحة التالية
Icon