وزعم بعضهم : أنَّ الضريع : ليس بنبت في النار، ولا أنهم يأكلونه؛ لأن الضريع من أقوات الأنعام، لا من أقوات الناس، وإذا وقعت الإبل فيه لم تشبع، وهلكوا هزلاً، فأراد أن هؤلاء يقتاتون بما لا يشبعهم، وضرب الضريع له مثلاً.
والمعنى أنهم يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع.
وقال الحكيمُ الترمذي : وهذا نظر سقيم من أهله، يدل على أنهم تحيَّروا في قدرة الله تعالى، وأن الذي أنبت في هذا التراب الضريع قادر على أن ينبته في حريق النار، كما جعل - سبحانه وتعالى - في الدنيا من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون، فلا النار تحرق الشجر، ولا رطوبة الماء في الشجر تُطفئُ النار، قال تعالى :﴿ الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ ﴾ [ يس : ٨٠ ]، وكما قيل : حين نزلت :﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ ﴾ [ الإسراء : ٩٧ ]، قالوا :« يا رسُولَ اللهِ، كيف يمْشُونَ على وُجوهِهمْ؟ فقال - ﷺ - :» الَّذي أمشَاهُمْ عَلَى أرْجُلهِمْ قادرٌ على أنْ يُمشِيهمْ على وُجوهِهِمْ «، فلا يتحيَّر في مثل هذا إلا ضعيف العقل، أو ليس قد أخبرنا أنه :﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا ﴾ [ النساء : ٥٦ ]، وقال تعالى :﴿ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ ﴾ [ إبراهيم : ٥٠ ].
وعن الحسن : لا أدري ما الضريع، ولم أسمع فيه من الصحابة شيئاً.
قال ابنُ كيسان : وهو طعام يضرعونه عنده، ويذلون، ويتضرعونه منه إلى الله تعالى، طلباً للخلاص منه، فسمي بذلك؛ لأن آكله يتضرع في أن يعفى منه للكراهة وخشونته.
قال أبو جعفر النحاس : قد يكون مشتقاً من الضارع، وهو الذليل، أي : ذو ضراعة، أي : من شربه ذليل تلحقه ضراعة.
فإن قيل : قد قال تعالى في موضع آخر :﴿ فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَا هُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ ﴾ [ الحاقة : ٣٥، ٣٦ ]. وقال تعالى - هاهنا - :﴿ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ ﴾ وهو غير الغسلين، فما وجه الجمع؟.
والجواب : أن النار دركات، فمنهم من طعامه الزقوم ومنهم من طعامه الغسلين، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد.
قال الكلبيُّ : الضريع في درجة ليس فيها غيره، والزقوم في درجة أخرى.
قوله :﴿ لاَّ يُسْمِنُ ﴾.
قال الزمخشريُّ : مرفوع المحل، أو مجرور على وصف طعام، أو ضريع »
.
قال أبو حيان :« أما وصفه ب » ضريع « فيصح؛ لأنه نبت نفي عنه السمن، والإغناء من الجوع وأمَّا رفعه على وصفه الطعام، فلا يصح؛ لأن الطعام منفي، والسمن منفي، فلا يصح تركيبه؛ لأنه يصير التقدير : ليس لهم طعام لا يسمن، ولا يغني من جوع إلا من ضريع، فيصير المعنى : أن لهم طعاماً يسمن ويغني من جوع من غير الضريع، كما تقول : ليس لزيد مال لا ينتفع به إلا من مال عمرو، فمعناه : أن له مالاً لا ينتفع به من غير مال عمرو ».


الصفحة التالية
Icon