قال أبو عبد الرحمن السلمي : لما نزلت ﴿ ياأيها المزمل ﴾ قاموا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم ثم نزل قوله تعالى :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾.
قال بعض العلماء : وهو فرض نسخ به فرض كان على النبي ﷺ خاصة لفضله كما قال تعالى :﴿ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ﴾.
قال القرطبيُّ :« والقول الأول يعم جميع هذه الأقوال، وقد قال تعالى :﴿ وَأَقِيمُواْ الصلاة ﴾ [ البقرة : ٤٣ ]. فدخل فيها قول من قال : إن الناسخِ الصلوات الخمس، وذهب الحسن وابن سيرين إلى أن صلاة الليل كانت فريضة على كلِّ مسلمٍ، ولو على قدر حلب شاة، وعن الحسن أيضاً أنه قال في هذه الآية : الحمد لله تطوع بعد الفريضة، وهو الصحيح - إن شاء الله تعالى - لما جاء في قيامه من الترغيب، والفضل في القرآن، والسنة ».
قالت عائشة رضي الله عنها :« كنت أجعل للنبي ﷺ حصيراً يصلي عليه من الليل، فتسامع الناس به فلما رأى جماعتهم كره ذلك، وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل، فدخل البيت كالمغضب، فجعلوا يتحنحون، ويتفلون، فخرج إليهم فقال :» أيُّهَا النَّاسُ تكلَّفُوا مِن العمل ما تُطيقُونَ، فإنَّ اللَّه لا يمَلُّ من الثواب حتَّى تَملُّوا من العملِ، وإنَّ خَيْرَ العمَلِ أدومهُ، وإنْ قَلَّ «، فنزلت ﴿ ياأيها المزمل ﴾، فكتب عليهم، وأنزل بمنزلة الفريضة حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل، فيتعلق به، فمكثوا ثمانية أشهرٍ، فنزل قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل ﴾، فردهم الله إلى الفريضة، ووضع عنهم قيام الليل، إلا ما تطوعوا به.
قال القرطبيُّ : ومعنى حديث عائشة رضي الله عنها ثابت في الصحيح، إلى قوله :»
وإنْ قَلَّ « وباقيه يدل على أن قوله تعالى ﴿ ياأيها المزمل ﴾ نزل بالمدينة، وأنهم مكثوا ثمانية أشهرٍ يقومون، وقد تقدم عنها في » صحيح مسلم « حولاً.
وحكى الماورديُّ عنها قولاً ثالثاً : وهو ستة عشر شهراً لم يذكر غيره عنها، وذكر عن ابن عباس رضي الله عنه : أنه كان بين أول »
المُزمِّل « وآخرها سنة، قال : فأما رسول الله ﷺ فقد كان فرضاً عليه، وقيل في نسخه عنه قولان :
أحدهما : أنه كان فرضاً عليه إلى أن مات.
والثاني : أنه نسخ عنه كما نسخ عن أمته، وفي مدة فرضه إلى أن نسخ قولان :
أحدهما : المدة المفروضة على أمته في القولين الماضيين، يريد قول ابن عباس حولاً، وقول عائشة ستة عشر شهراً.
الثاني :»
أنها عشر سنين إلى أن خفف عنه بالنسخ «.
قوله :﴿ وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلاً ﴾، أي : لا تعجل في قراءة القرآنِ بل اقرأه على مهل وهينة، وبينه تبييناً مع تدبر المعاني.


الصفحة التالية
Icon