وعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - ويمان والطبريُّ : هو العشر الأول من المحرم؛ لأن آخرها يوم عاشوراء، ولصومه فضل عظيم.
قوله :﴿ والشفع والوتر ﴾.
قرأ الأخوان : بكسر الواو من :« الوِتْرِ ».
والباقون : بفتحها، وهما لغتان، كالحَبْرِ والحِبْر، والفتح : لغة قريش ومن والاها، والكسر : لغة تميم.
وهاتان اللغتان في :« الوتر »، مقابل « الشفع »، فأما في « الوتر » بمعنى : التِّرة، فبالكسر وحده.
قال الزمخشريُّ : ونقل الأصمعي فيه اللغتين أيضاً.
وقرأ أبو عمرو في رواية يونس عنه : بفتح الواو وكسر التاء، فيحتملُ أن تكون لغة ثالثة، وأن يكون نقل كسرة الراء إلى التاء، إجراءً للوصل مجرى الوقف.
فصل في الشفع والوتر
قال ابنُ الخطيب :« الشَّفْعُ والوتْرُ » : هو الذي تسميه العرب، الخساء والركاء، وتسميه العامة : الزَّوجُ والفَرْدُ.
قال يونس : أهل العالية يقولون :« الوَتْرُ » بالفتح في العدد، و « الوِتْر » بالكسر في الذحل، وتميم يقولون : بكسر الواو فيهما، تقول :« أوترت أوتر إيتاراً » أي : جعلته وتراً، ومنه قوله ﷺ :« من اسْتَجْمرَ فليُوتِرْ ».
واختلف في الشفع والوتر، فروى عمران بن حصين - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ قال :« الشَّفعُ والوتر : الصَّلاة مِنْها شَفعٌ، ومِنهَا وتْرٌ ».
قال جابر بن عبد الله : قال النبي ﷺ :« ﴿ والفَجْرِ وليَالٍ عَشْرٍ ﴾ قال :» هُو الصُّبْحُ وعَشْرُ النَِّحْرِ، والوترُ : يومُ عرفَة، والشَّفعُ : يومُ النَّحْرِ « ».
وهو قول ابن عباس وعكرمة، واختاره النحاس وقال : حديث ابن الزبير عن جابر، وهو الذي صح عن النبي ﷺ وهو أصح إسناداً من حديث عمران بن حصين، فيوم عرفة : وتر؛ لأنه تاسعها، ويوم النحر : شفع؛ لأنه عاشرها.
وعن أبي أيوب، قال :« سئل النبي ﷺ عن قوله تعالى :﴿ والشفع والوتر ﴾، قال :» الشَّفْعُ : يَومُ عَرفَةَ ويوْمُ النَِّحْرِ، والوترُ : ليْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ «.
وقال مجاهدٌ وابنُ السميفع وابنُ عباسٍ : الشفع : خلقه، قال الله تعالى :﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ [ النبأ : ٨ ]، والوتْرُ : هو الله تعالى.
فقيل لمجاهد : أترويه عن أحد؟ قال : نعم، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ عن رسول الله عليه وسلم.
ونحوه قال محمدُ بن سيرين، ومسروق، وأبُو صالحٍ وقتادةُ، قالوا : الشَّفع : الخلقُ، قال تعالى :﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾ [ الذاريات : ٤٩ ] : الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلال، والنور والظلمة، والليل والنهار، والحر والبرد، والشمس والقمر، والصيف والشتاء، والسماء والأرض، والإنس والجن، والوَتْر : هو الله تعالى، قال تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد ﴾ [ الإخلاص : ١، ٢ ].
وقال ﷺ :» إنَّ للهِ تِسْعَة وتسْعِينَ اسْماً، واللهُ وترٌ يُحِبُّ الوِتْرِ «.