﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴾ [ الفجر : ٦ ]، إلى قوله :﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾ [ الفجر : ١٣ ] وقد تقدم الكلام على ذلك.
قوله :﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ ﴾.
قيل :« هل » على بابها من الاستفهام الذي معناه التقرير، كقولك : ألم أنعم عليك إذا كنت قد أنعمت.
وقيل : المراد بذلك : التوحيد، لما أقسم به وأقسم عليه، والمعنى : بل في ذلك مقنع لذي حجر، ومعنى « لذي حجر » : لذي لبٍّ وعقلٍ؛ فقال الشاعر :[ الطويل ]
٥١٩٢- وكَيْفَ يُرَجَّى أنْ تَتُوبَ وإنَّمَا | يُرَجَّى مِنَ الفِتْيَانِ من كَانَ ذَا حِجْرِ |
وقال الحسن : لذِي حِلْم.
قال الفراء : الكل يرجع إلى معنى واحد : لذي حِجْر، ولذي عَقْل ولذي حِلْم، ولذي ستر، الكل بمعنى العقل.
وأصل الحِجْر : المنع، يقال لمن ملك نفسه ومنعها إنه لذو حجر.
[ ومنه سمي الحجر : المنع، لامتناعه بصلابته، ومنه : حجر الحاكم على فلان أي : منعه من التصرف، ولذلك سميت الحجرة حجرة، لامتناع ما فيها بها ].
وقال الفراء : العرب تقول : إنه لذو حجر إذا كان قاهراً لنفسه ضابطاً لها، كأنه أخذ من قولك : حجرت على الرجل.
والمعنى : أن كلَّ ذلك دال على أن كل ما أقسم الله تعالى به من هذه الأشياء فيه دلائل وعجائب على التوحيد والربوبية، فهو حقيق بأن يقسم به لدلالته على خالقه.
قال القاضي : وهذه الآية تدل على أن القسم واقع برب هذه الأمور؛ لأن الآية دالة على أن هذه مبالغة في القسم، والمبالغة لا تحصل إلا في القسم بالله تعالى؛ ولأن النهي قد ورد بأن يحلف العاقل بغير الله تعالى.