فصل في تفسير الآية


قال ابنُ عبَّاسٍ : كانوا يجوبون البلادن ويجعلون من الجبال بيوتاً، لقوله - تعالى - :﴿ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً ﴾ [ الحجر : ٨٢ ].
وقيل : أول من نحت من الجبال، والصخور والرخام : ثمود، وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة، كلها من الحجارة.
وقوله تعالى :﴿ بالواد ﴾ أي : بوادي القرى. قاله محمد بن إسحاق.
[ وروى أبو الأشهب عن أبي نضرة، قال :« أتى رسول الله ﷺ في غزاة » تبوك « على وادي ثمود، وهو على فرس أشقر، فقال :» أسرعوا السير؛ فإنكم في واد ملعون « ».
وقيل : الوادي بين جبال، وكل منفرج بين جبال أو تلال يكون مسلكاً للسيل، ومنفذاً، فهو واد ].
قوله :﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد ﴾، أي : الجنود والعساكر والجموع. قاله ابن عباس.
وسمي « ذي الأوتاد » لكثرة مضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا.
وقيل : ذي الأتاد، أي : ذي الملك الثابت.
كقوله :[ الرجز ]
٥١٩٧- في ظِلِّ مَلكٍ رَاسخِ الأوْتَادِ... وقيل : كان يشدّ الناس بالأوتاد إلى أن يموتوا، تجبّراً منه وعتواً، كما فعل بامرأته آسية، وماشطتها.
قال عبدُ الرحمنِ بن زيدٍ : كانت له صخرة ترفع بالبكرات، ثم يؤخذ له الإنسان، فيوتد له أوتاد الحديد، ثم يرسل تلك الصخرة عليه.
وروى قتادةُ عن سعيدِ بنِ جبيرٍ عن ابنِ عباسٍ : أن تلك الأوتاد، كانت ملاعب يلعبون تحتها.
قوله :﴿ الذين طَغَوْاْ ﴾ : يجوز فيه ما جاز في :« الذين » قبله، من الإتباع والقطع على الذم.
قال ابن الخطيب : يحتمل أن يرجع الضَّمير إلى فرعون خاصة؛ لأنه يليه، ويحتمل أن يرجع إلى جميع من تقدم ذكرهم، وهو الأقرب. وأحسن الوجوه في إعرابه : أن يكون في محل نصب على الذم، ويجوز أن يكون مرفوعاً على :« هم الذين طغوا » مجروراً على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون. يعني : عاداً، وفرعون، وثموداً طغوا، أي : تمردوا وعتوا، وتجاوزا القدر في الظلم والعدوان، ثم فسر تعالى طغيانهم بقوله :﴿ فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد ﴾.
قال الكلبيُّ : القتل، والمعصية لله تعالى.
قال القفال : والجملة أن الفساد ضد الصلاح، فكما أن الصلاح يتناول جميع أقسام البر، فالفساد يتناول جميع أقسام الإثم، فمن عمل بغير أمر الله، وحكم في عباده بالظلم فهو مفسد.
قوله :﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾. أي : أفرغ عليهم، وألقى، يقال : صبَّ على فلان خلعة، أي : ألقاها عليه؛ قال النابغة :[ الطويل ]
٥١٩٨- فَصبَّ عَليْهِ اللَّهُ أحْسنَ صُنْعهِ وكَانَ لَهُ بَيْنَ البَريَّةِ نَاصِراً
وقوله تعالى :﴿ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾ أي : نصيب عذاب؛ وقيل : شدته؛ لأن السوط عندهم ما يعذب به.
قال الشاعر :[ الطويل ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
٥١٩٩- ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أظهرَ دينهُ وصَبَّ على الكُفَّارِ سوْطَ عذابِ