قوله :﴿ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً ﴾ : يجوز أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالاً.
وقرأ العامة :« لُبَداً » بضم اللام وفتح الباء.
وشدَّد أبُو جعفرٍ الباء جمع لابِدٍ، مثل : راكع وركع، وساجد وسُجَّد، وعنه أيضاً : سكونها.
ومجاهدٌ وابنُ أبِي الزِّناد : بضمتين، وتقدم الكلام على هذه اللفظة في سورة :« الجن ».
قال أبو عبيدة :« لُبَداً » : فعل من التلبيد، وهذا المال الكثير، بعضه على بعض.
قال الزَّجَّاجُ : و « فعل » للكثرة، يقال : رجل حطم، إذا كان كثير الحطم.
قال الفراءُ : واحدته :« لُبْدَة » و « لُبَدٌ » : جمع.
وجعل بعضهم : واحد، ك « حطم »، وهو في الوجهين للكثرة، والمعنى : أنفقت مالاً كثيراً مجتمعاً؛ لأن أهل الجاهلية يدعونه مكارم ومفاخر.
قوله :﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ﴾، أي : أيظن أن لم يعاينه أحد، بل علم الله ذلك منه، فكان كاذباً، في قوله : أهلكت، ولم يكن أنفقه. وقال : أيظن أن لم يره، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه وأين أنفقه.
وقال ابنُ عبَّاسٍ : كان أبو الأشدين يقول : أنفقت في عداوة محمد مالاً كثيراً، وهو في ذلك كاذب.
وقال مقاتلٌ : نزلت في الحارثِ بنِ عامرٍ بنِ نوفل، أذنب، فاستفتى النبي ﷺ، فأمره أن يكفر، فقال : لقد ذهب مالي في الكفَّارات، والنفقات، منذ دخلت في دين محمد. وهذا القول منه، يحتمل أن يكون استطالة بما أنفق، فيكون طغياناً منه، أو أسفاً منه، فيكون ندماً منه.
قال القرطبيُّ :« وروى عن النبي ﷺ : أنه كان يقرأ :» أيَحْسُبُ «، بضم السين، في الموضعين ».
وقال الحسنُ : يقول : أتلفت مالاً كثيراً فمن يحاسبني به، دعني أحسبه، ألم يعلم أن الله قادر على محاسبته، وأن الله - عزَّ وجلَّ- يرى صنيعه، ثم عدد عليه نعمه، فقال :
﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾ : يبصر بهما، ﴿ وَلِسَاناً ﴾ ينطق بهما، ﴿ وَشَفَتَيْنِ ﴾ : يستر بهما ثغرهُ، والمعنى : نحن فعلنا ذلك، ونحن نقدر على أن نبعثه، ونحصي عليه ما عمله.
قوله :﴿ وَشَفَتَيْنِ ﴾، الشِّفةُ : محذوفة اللام، والأصل : شفهةٌ، بدليل تصغيرها على « شُفَيْهَة »، وجمعها على « ِفاه » ونظيره : سنة في إحدى اللغتين، وشافهته أي كلمته من غير واسطة، ولا يجمع بالألف والتاء، استغناء بتكسيرها عن تصحيحها.
قال القرطبي :« يقال : شفهاتٌ وشفواتٌ، والهاء : أقيس، والواو أعم تشبيهاً بالسنوات ».