في الناشئة أوجه :
أحدها : أنها صفة لمحذوف، أي : النفس الناشئة بالليل التي تنشأ من مضجعها للعبادة، أي تنهض وترفع من « نشأت السحابة » إذا ارتفعت، ونشأ من مكانه ونشر إذا نهض، قال :[ الطويل ]

٤٩٢١ - نَشَأنَا إلى خُوصِ بَرَى نيَّهَا السُّرَى وألصَقَ مِنْهَا مُشرِفَاتِ القَماحِدِ
الثاني : أنها مصدر بمعنى قيام الليلِ، على أنها مصدر من « نشأ » إذا قام ونهض، فيكون كالعافية والعاقبة، قالهما الزمخشري.
الثالث : أنها بلغة الحبشةِ نشأ الرجل، أي : قام من الليل.
قال أبو حيان : فعلى هذا هي جمع ناشىء، أي : قائم، يعني : أنها صفة لشيء يفهم الجمع، أي : طائفة، أو فرقة نائشة، وإلا ف « فاعل » لا يجمع على « فاعلة ».
قال القرطبي :« قال ابن مسعود :» الحبشة « [ يقولون : نشأ، أي قام. فلعله أراد أن الكلمة عربية، ولكنها شائعة في كلام الحبشة ] غالبة عليهم، وإلاَّ فليس في القرآن ما ليس من لغة العرب ».
الرابع :﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الليل ﴾ : ساعاته، وأوقاته؛ لأنها تنشأ شيئاً بعد شيء.
قال القرطبيُّ :« لأنها تنشأ أولاً فأولاً، يقال : نشأ الشيء ينشأ إذا ابتدأ، وأقبل شيئاً بعد شيء فهو ناشىء، وأنشأه اللهُ فنشىء، فالمعنى : ساعات الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف عن الاسم فالتأنيث للفظ الساعة، لأن كل ساعة تحدث ».
وقيدها الحسن وابن عبَّاسٍ : بما كان بعد العشاء، إن كان قبلها فليس بناشئة، وخصصتها عائشة رضي الله عنها بأن تكون بعد النوم، فلو لم يتقدَّمها نوم لم تكن ناشئة.
قوله :﴿ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً ﴾.
قرأ أبو عمرو وابن عامرٍ : بكسر الواو، وفتح الطاء بعدها ألف، والباقون : بفتح الواو وسكون الطاء.
وقرأ قتادة وشبل عن أهل مكة :« وِطْأً »، بكسر الواو وسكون الطاء.
وظاهر كلام أبي البقاء أنه قرىء بفتح الواو مع المد، فإنه قال :« وِطْأ » بكسر الواو بمعنى مواطأة «، وبفتحها اسم للمصدر، ووطأ على » فعل « وهو مصدر وطىء، والوطاء : مصدره » وِطَاء « ك » قِتَال « مصدر » قَاتلَ «، والمعنى : أنها أشد مُواطأة، أي : يواطىء قلبها لسانها إن أردت النفس، ويواطىء قلب النائم فيها لسانه إن أردت القيام، أو العبادة، أو الساعات، أو أشد موافقة لما يراد من الخشوع والإخلاص.
والوطء - بالفتح والكسر - : على معنى أشد ثبات قدم، وأبعد من الزلل وأثقل وأغلظ من صلاة النهار على المصلي من قوله - ﷺ - :»
اللَّهُمَّ اشدُدْ وطْأتكَ على مُضَر « وعلى كل تقدير : فانتصابه على التمييز.
قوله :﴿ وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾.
حكى الزمخشريُّ : أن أنساً قرأ :»
وأصوب قِيْلاً « فقيل : له : يا أبا حمزة إنما هي » وأقْوَمُ «، فقال : إن أقوم، وأصوب وأهيأ، واحد، وأنَّ أبا السرار الغنوي كان يقرأ :﴿ فَحَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ ﴾ [ الإسراء : ٢٥ ] - بالحاء المهملة - فقيل له : هي بالجيم فقال : جَاسوا وحاسوا واحد.


الصفحة التالية
Icon