والثاني : مصدر، أي وبنائها، وإليه ذهب الزجاج والمبرد، وهذا منهما بناء على أنها مختصة بغير العقلاء.
واعترض على هذا القول بأنه يلزم أن يكون القسم بنفس المصادر : بناء السماء وطحو الأرض، وتسوية النفس، وليس المقصود إلاَّ القسم بفاعل هذه الأشياء، وهو الرب تعالى، وأجيب عنه بوجهين :
أحدهما : أن يكون على حذف مضاف، أي : ورب بناء السماء ونحوه.
والثاني : أنه لا غرو لا يجوز في الإقسام بهذه الأشياء، كما أقسم سبحانه وتعالى بالصبح ونحوه.
وقال الزمخشري :« جعلت » ما « مصدرية في قوله » وما بناها «، » وما طحاها «، » وما سواها «، وليس بالوجه، لقوله » فألهمها «، وما يؤدي إليه من فساد النظم، والوجه أن تكون موصولة، وإنما أوثرت على » من « لإرادة معنى الوصفية، كأنه قيل : والسماء والقادر العظيم الذي بناها، ونفسٍ والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها، وفي كلامهم : سبحان من سخركن لنا » انتهى.
[ يعني أن الفاعل في « فألهمها » عائد على الله تعالى، فليكن في بنائها كذلك ].
وحينئذ يلزم عوده على شيء، وليس هنا ما يمكن عوده عليه غير « ما » فتعين أن تكون موصولة.
قال أبو حيان :« أما قوله » وليس بالوجه «، لقوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا ﴾ يعني من عود الضمير في ﴿ فَأَلْهَمَهَا ﴾ على الله تعالى، فيكون قد عاد على مذكور، وهو » ما « المراد به » الذي «، قال : ولا يلزم ذلك، لأنا إذا جعلناها مصدرية عاد الضمير على ما يفهم من سياق الكلام، في » بَنَاهَا « ضمير عائد على الله تعالى، أي : وبناها هو، أي : الله تعالى، كما إذا رأيت زيداً قد ضرب عمراً، فتقول : عجبت مما ضرب عمرو، تقديره : من ضرب عمرو هو، كان حسناً فصيحاً جائزاً، وعود الضمير على ما يفهمُ من سياق الكلام كثير.
وقوله » وما يؤدي إليه من فساد النظم « ليس كذلك، ولا يؤدي جعلها مصدرية إلى ما ذكر.
وقوله » وإنما أوثرت « إلى آخره، لا يراد ب » ما « ولا » من « الموصولتين، معنى الوصلية، لأنهما لا يوصف بهما » ما « دون » من «.
وقوله » في كلامهم « إلى آخره، تأوله أصحابنا على أن » سبحان « علم، و » ما « مصدرية ظرفية ».
قال شهاب الدين : أما ما رد به عليه من كونه يعود على ما يفهم من السياق، فليس يصلح رداً؛ لأنه إذا دار الأمر بين عوده على ملفوظ وبين غير ملفوظ به، فعوده على الملفوظ به أولى؛ لأنه الأصل وأما قوله : فلا ينفرد به « ما » دون « من »، فليس مراد الزمخشري أنها توصف بها وصفاً صريحاً، بل مراده أنها تقع على نوع من يعقل وعلى صفته، ولذلك مثل النحويون بقوله تعالى :