﴿ فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ ﴾ [ النساء : ٣ ].
وقالوا : تقديره : فانكِحُوا الطَّيِّب من النِّساءِ، ولا شك أن هذا الحكم تنفرد به « ما » دون « من ».
قوله :﴿ والأرض وَمَا طَحَاهَا ﴾. أي : وطحوها، وقيل : من طحاها : أي بسطها، قال عامة المفسرين : أي دحاها.
قال الحسن ومجاهد وغيرهما : طحاها ودحاها : واحد، أي : بسطها من كل جانب.
والطَّحْوُ : البسطُ، طحا، يطحو، طحواً، وطحى يطحى طحياً، وطحيت : اضطجعت، عن أبي عمرو، وعن ابن عباس : طحاها : أي قسمها، وقيل : خلقها؛ قال الشاعر :[ الوافر ]
٥٢٢٠- ومَا تَدْرِي جَذيمةُ مَنْ طَحاهَا | ولا مَنْ سَاكِنُ العَرْشِ الرَّفيعِ |
ويقال في بعض أيمان العرب : لا، والقمر الطاحي، أي : المشرق المرتفع.
قال أبو عمرو : طحا الرجل إذا ذهب في الأرض، يقال : ما أدري أين طحا؟.
ويقال : طحا به قلبه، إذا ذهب به كلِّ شيء؛ قال علقمة :[ الطويل ]
٥٢٢١- طَحَا بِكَ قَلبٌ في الحِسانِ طَرُوب......................................
قال ابن الخطيب : وإنما أخر هذا عن قوله تعالى :﴿ والسمآء وَمَا بَنَاهَا ﴾ لقوله :﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [ النازعات : ٣٠ ].
قوله :﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾. قيل : المعنى، وتسويتها، ف « ما » مصدرية.
وقيل : المعنى، ومن سواها، وهو الله تعالى، قيل : المراد بالنفس : آدم ﷺ.
وقيل : كلُّ نفس منفوسةٍ، فما التنكير إلا لتعظيمها، أي نفس عظيمة، آدم ﷺ وإما للتكثير، كقوله تعالى :﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ ﴾ [ التكوير : ١٤ ]، و « سوَّى » بمعنى هيأ.
وقال مجاهد : سوَّى خلقها وعدَّل، وهذه الأسماء كلها مجرورة على القسم، أي أقسم الله تعالى بخلقه لما فيه من عجائب الصنعة الدالة عليه - سبحانه وتعالى -.
قوله :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا ﴾ أي : عرَّفها طريقَ الفجور والتقوى، قاله ابن عباس ومجاهد.
وعن مجاهد أيضاً : عرفها الطاعة والمعصية.
[ وعن محمد بن كعب - رضي الله عنه - إذا أراد الله تعالى لعبده خيراً ألهمه الخير فعمل به، وإذا أراد به الشر ألهمه الشرّ فعمل به.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ألهم المؤمن التقي تقواه وألهم الكافر فجوره، وعن قتادة : بين لها فجورها وتقواها، والفجور والتقوى مصدران في موضع المفعول ].
قال الواحدي : الإلهام هو أن يوقع الله في قلب العبد شيئاً، وإذا أوقع في قلبه فقد ألزمه إياه، من قولهم : لهم الشيء وألهمه : إذا بلغه، وألهمته ذلك الشيء، أي أبلغته، هذا هو الأصل ثم استعمل ذلك فيما يقذفه الله تعالى في قلب العبد لأنه كالإبلاغ.