قوله :﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾. فيه وجهان :
أحدهما : أنه جواب القسم، والأصل : لقد وإنما حذفت لطول الكلام، والثاني : أنه ليس بجواب، وإنما جيء به تابعاً لقوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ على سبيل الاستطراد، وليس من جواب القسم في شيء، فالجواب محذوف، تقديره [ ليدمرن ] الله عليهم، أي : على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله ﷺ كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحاً - ﷺ - قال معناه الزمخشري. وقدر غيره : لتبعثن.
وقيل : هو على التقديم والتأخير بغير حذف، والمعنى : قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها، والشمس وضحاها.
وفاعل « زكّاها » و « دسّاها »، الظاهر أنه ضمير « مَنْ ».
وقيل : ضمير الباري تعالى، أي : أفلح وفاز من زكاها بالطاعة، وقد خاب من دساها أي : خسرت نفسٌ دسها الله تعالى بالمعصية، وأنحى الزمخشري على صاحب هذا القول لمنافرته مذهبه.
قال شهاب الدين : والحق أنه خلاف الظاهر، لا لما قال الزمخشري، بل لمنافرة نظمه للاحتياج إلى عود الضمير على النفس مقيدة بإضافتها إلى ضمير « من ».
وقال ابن عباس : خابت نفس أضلها الله وأغواها.
وقيل : أفلح من زكى نفسه بطاعة الله، « وخاب » خسر من دس نفسه في المعاصي. قاله قتادة.
وأصل الزكاة : النمو والزيادة، ومنه تزكى الزَّرع إذا كثر معه، ومنه تزكية القاضي الشاهد، لأنه يرفعه بالتعديل.
وقيل : دساها : أغواها، قال :[ الطويل ]

٥٢٢٢- وأَنْتَ الَّذِي دسَّيْتَ عَمْراً فأصْبَحتَ حَلائِلهُ مِنْهُ أرَامِلَ ضُيَّعَا
قال أهل اللغة : والأصل، دسها، من التدسيس فكثرت الأمثال فأبدل من ثالثها حرف علة كما قالوا : قصيت أظفاري، وأصله قصصت، وتقضي البازي، والتدسية : الإخفاء يعني أخفاه بالفجور، وقد نطق بالأصل الشاعر المتقدم. وقال آخر :[ الكامل ]
٥٢٢٣- ودَسَسْتَ عَمْراً في التُّرَابِ فأصْبَحَتْ...........................................
[ وهو إخفاء الشيء في الشيء، فأبدلت سينه ياءً. وقال ابن الأعرابي :« وقَدْ خَابَ من دسَّاهَا » أي : دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم ].
قال الواحدي : فكأنه - تعالى - أقسم على فلاح من طهره وخسارة من خذله لئلا يظن أن المراد بتولي ذلك من غير قضاء سابق، فقوله :« قَدْ أفلَحَ » : هو جواب القسم.


الصفحة التالية
Icon