قوله :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ ﴾. في هذه الباء ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها للاستعانة مجازاً، كقولك :« كتبت بالقلم »، وبه بدأ الزمخشري، يعني فعلت التكذيب بطغيانها، كقولك : ظلمني بجرأته على الله تعالى.
والثاني : أنها للتعدية، أي كذبت بما أوعدت به من عذابها ذي الطغيان، كقوله تعالى :﴿ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية ﴾ [ الحاقة : ٥ ] قال ابن عباس - رضي الله عنه - : وكان اسم العذاب الذي جاءها الطغوى، لأنه طغى عليهم. قال ابن الخطيب : وهذا لا يبعد لأن الطغيان مجاوزة [ الحد فسمي عذابهم طغوا لأنه كالصيحة مجاوزة ] للقدر المعتاد.
والثالث : أنها للسببية، أي : بسبب طغيانها، وهو خروجها عن الحدّ في العصيان قاله مجاهد وقتادة وغيرهما.
وقال محمد بن كعب : بأجمعها.
وقيل : مصدر، وخرج على هذا المخرج، لأنه أشكل برءوس الآي.
وقيل : إن الأصل « بطُغيانِهَا » إلا أن « فُعلَى » إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واو ليفصل بين الاسم والوصف.
وقرأ العامة :« بطغواها » بفتح الطاء، وهو مصدر بمعنى الطغيان، وإنما قلبت الياء واواً لما تقدم، من الفرق بين الاسم والصفة، يعني أنهم يقرون ياء « فَعْلى » - بالفتح - صفة، نحو جريا، وصديا، ويقلبونها في الاسم، نحو « تَقْوى، وشَرْوى »، وكان الإقرار في الوصف، لأنه أثقل من الاسم والياء أخف من الواو، فلذلك جعلت في الأثقل.
وقرأ الحسن ومحمد بن كعب والجحدري، وحماد : بضم الطاء، وهو أيضاً مصدر، كالرُّجعى والحسنى، إلا أن هذا شاذ، إذ كان من حقه بقاء الياء على حالها، كالسُّقيا، وبابها، وهذا كله عند من يقول :« طغيت طغياناً » بالياء، فأما من يقول :« طغوت » بالواو فالواو أصل عنده. قاله أبو البقاء، وقد تقدم الكلام على اللغتين في البقرة.
قوله :﴿ إِذِ انبعث أَشْقَاهَا ﴾. يجوز في « إذ » وجهان :
أحدهما : أن تكون ظرفاً ل « كذبت ».
والثاني : أن تكون ظرفاً للطغوى.
و « انبعثت » مطاوع بعثت فلاناً على الأمر فانبعث له، و « أشْقَاهَا » فاعل « انبعَثَ » أي : نهض، والانبعاث : الإسراع، وفيه وجهان :
أحدهما : ان يراد به شخص معين، روي أن اسمه : قدار بن سالف.
والثاني : أن يراد به جماعة قال الزمخشري : ويجوز أن يكونوا جماعة للتسوية في « أفعل » التفضيل، إذا أضيف بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وكان يجوز أن يقول :« أشْقَوها ». وكان ينبغي أن يقيد، فيقول : إذا أضيف إلى معرفة، لأن المضاف إلى النكرة حكمه الإفراد والتذكير مطلقاً كالمقترن ب « من ».
فصل
قال رسول الله ﷺ :« إذ انبَعَثَ أشْقَاهَا : انبعث لهَا رجلٌ عزيزٌ عارمٌ، منيعٌ في أهلِه، مثلُ أبي زمعة »