قوله :« يَتَوكَّى ». قرأ العامة :« يتزكّى » مضارع « تَزَكَّى ».
والحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - :« يزكَّى » بإدغام الياء في الزاي، وفي هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها في موضع الحال من فاعل « يُؤتِي »، أي : يؤتيه متزكياً به.
والثاني : أنها لا موضع لها من الإعراب على أنها بدل من صلة « الَّذي »، ذكرهما الزمخشري.
قوله تعالى :﴿ وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تجزى ﴾، أي : ليس يتصدق ليجازى على نعمة بل يبتغي وجه ربه الأعلى، أي : المتعالي، و « تجزى » صفة ل « نِعْمَة »، أي : يجزى الإنسان، وإنَّما جيء به مضارعاً مبنياً للمفعول، لأجل الفواصل؛ إذ الأصل : يجزيها إياه أو يجزيه إياها.
قوله :﴿ إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ رَبِّهِ ﴾. في نصب « إلاَّ ابتِغَاءَ » وجهان :
أحدهما : أنه مفعول له قال الزمخشري :« ويجوز أن يكون مفعولاً له على المعنى؛ لأن المعنى : لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه، لا لمكافأة نعمة ». وهذا أخذه من قول الفراء، فإنه قال : ونصب على تأويل : ما أعطيتك ابتغاء جزائك، بل ابتغاء وجه الله تعالى.
والثاني : أنه منصوب على الاستثناء المنقطع، إذ لم يندرج تحت جنس « مِنْ نِعْمَةٍ » وهذه قراءة العامة، أعني : النصب، والمد.
وقرأ يحيى : برفعه ممدوداً على البدل من محل « نِعْمَةٍ »؛ لأن محلها الرفع، إما على الفاعلية، وإما على الابتداء، و « من » مزيدة في الوجهين، والبدل لغة تميم؛ لأنهم يجرون المنقطع في غير الإيجاب مجرى المتصل، وأنشد الزمخشري بالوجهين : النصب؛ والبدل قول بشر بن أبي خازم :[ البسيط ]
٥٢٣٠- أضْحَتْ خَلاَءً قِفَاراً لا أنِيَ بِهَا | إلاَّ الجَآذِرَ والظُّلْمَانَ تَخَتَلِفُ |
٥٢٣١- وبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أنيسُ | إلاَّ اليَعافِيرُ وإلاَّ العيسُ |
وقال مكي :« وأجاز الفَرَّاءُ الرفع في » ابتغاء « على البدل في موضع » نعمة «، وهو بعيد ».
قال شهاب الدين :« كأنه لم يطلع عليها قراءة، واستبعاده هو البعيد، فإنها لغة فاشية ».
وقرأ ابن أبي عبلة :« ابتغا » بالقصر.
فصل في سبب نزول الآية
روى عطاء، والضحاك عن ابن عباس، قال :« عذَّب المشركون بلالاً، وبلال يقول : أحدٌ أحدٌ فمرَّ النبي ﷺ فقال :» أحَدٌ، يعني اللهُ يُنْجِيْكَ بِهَا «، ثم قال رسول الله ﷺ لأبي بكرٍ - رضي الله عنه - :» يا أبا بكرٍ إنَّ بلالاً يُعذَّبُ في اللهِ «، فعرفَ أبو بكرٍ الذي يُرِيدُهُ رسُول اللهِ ﷺ فانصرفَ إلى مَنْزلهِ، فأخذَ رَطْلاً مِنْ ذهبٍ ومضى به إلى أمية بن خلفٍ، فقال له : أتبيعني بلالاً؟ قال : نعم، فاشتراه، فأعتقه أبو بكر - رضي الله عنه - لا ليدٍ كانت له عنده »